التمويل العقاري كما تجريه المصارف الإسلامية.. وقواعد العدالة

ينبغي ألا يكون هناك اختلاف في مسلمة أساسية في مجال التعاملات المالية لدى كل مسلم وهي ضرورة أن تتوافق التعاملات مع مراد الشارع ولأن التعاملات المالية تختلف عن العبادات كونها تخضع كثيرا للمعطيات الزمانية والمكانية والأحوال لهذه الأسباب فإن من يسر الشريعة صلاحيتها للبقاء, و الشارع لم يقيد الناس بطقوس وشكليات وأنواع محددة من العقود والتصرفات لا يجوز التعامل إلا وفقها وإنما قرر في نصوص كثيرة قواعد ومحددات عامة تكفل العدالة بين الناس في تعاملاتهم فمنع الظلم والغرر والضرر والجهالة والغش والتدليس والاستغلال, وبتطبيق ذلك على التعاملات قرر الفقهاء تحريم عدد من المعاملات وسكتوا عن الكثير منها على اعتبار أنها جائزة, ومن المحرمات المنصوص عليها في الكتاب والسنة: بيع العينة والربا والميسر والقمار وبيع ما ليس عندك وتلقي الركبان - مع تفصيل وتقييد في بعضها- وغيرها من العقود البينة الضرر والبعيدة عن العدالة.. المهم هنا التأكيد على أن الالتزام بالقواعد الشرعية في التعاملات المالية واجب لا خيار فيه وأن الشارع حدد قواعد كلية تهدف إلى تحقيق العدالة بين الناس في التعاملات وتكفل البعد عن الغش والتدليس والتنازع .
في هذا السياق نشير إلى الجدل الدائر بين المصرفية الإسلامية والتقليدية في مدى نجاعة كل منهما في تحقيق ما أشير إليه أعلاه، وفي حين أن المصرفية الإسلامية ترفع راية التوافق مع القواعد الشرعية- وحق لها ذلك- إلا أن المصرفية التقليدية تجادلها في أنها تهتم بالشكل فقط وتحرص على أن يكون متوافقا مع نصوص الفقهاء إلا أنها لم تحقق أهداف الشارع في المعاملات – بحسب أصحاب هذا التوجه -, والجدل يطول جميع أنواع منتجات المصرفية الإسلامية في التمويل والاستثمار والتأمين وغيرها.
ومما يُورد في بيان إيغال منتجات المصرفية الإسلامية في الشكل والحرص على توافقها مع نصوص الفقهاء والغفلة عن قواعد العدل والتي أرادها الشارع: التمسكُ بقواعد غير مقنعة وتعليلات ضعيفة في تحريم الصيغة المشهورة للإيجار المنتهي بالتمليك التي تنص على أن المشتري يتملك العقار بمجرد سداد الأقساط, نعم كثير من الفقهاء يحرمون هذه الصيغة إلا أنهم في المقابل يجيزون صوراً قريبة منها مثل الإيجار المنتهي بالوعد بالبيع أو الهبة, وهنا ضرر على طالب التمويل من جهة أن العقار قد لا ينتقل إلى ملكه فهو مرهون بقناعة الممول بالبيع في آخر الأقساط أو الهبة, ومع أن الأصل أن الممولين يفون بوعودهم إلا أن الخطورة باقية على كل حال, وإنما مثلت بهذا المثال لأن هذه الصيغة – الإيجار التمويلي أو الإيجار المنتهي بالتمليك - هي الصورة الأكثر والأشهر والأفضل للتمويل العقاري وسيصدر بتنظيمها نظام خاص في المملكة.
ومثل: عدم السماح للممولين بتضمين عقودهم اتفاقا ينص على أنه في حال سداد الأقساط قبل وقتها فإن الممول لا يأخذ فائدة على المتبقي وجعل ذلك مرهونا بموافقة الممول وهي مسألة: " ضع وتعجل", ومع أن فيها خلافاً بين الفقهاء إلا أن حاجة الناس تتطلب العمل على تيسير أمورهم ومراعاة حاجتهم إلى السكن, وهل يشك أحد أن السكن من الحاجات الأساسية للاستقرار؟ وقد قرر الفقهاء أن الحاجة تُنزّل منزلة الضرورة, ولا يخفى أن بعض العلماء – ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي- أجازوا أكثر مما أشير إليه للمقيمين في الغرب من أجل توفير السكن.
ليس في هذا الكلام تقليل من شأن المصرفية ومنتجاتها بل يأتي في إطار القناعة بأنها قادرة على تحقيق العدالة والرخاء والرفاهية ،كيف لا وهي تستمد مرجعيتها من قواعد الشريعة لكن لا بد من العمل لأجل تحقيق العدالة وهو مطلب أساس في الشريعة من خلال منع الظلم والاستغلال والعمل على التماس المقاصد الشرعية في التعاملات المالية ومن أعظمها مراعاة حاجات الناس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي