القيادات الشابة في مجتمعنا

للكبير في السن احترامه ومكانته وتقديره في مجتمعنا، وله الشكر والوفاء على ما قدمه من إنجاز ومن نتائج مميزة، والملاحظ أن معظم الوظائف القيادية الموجودة اليوم في القطاع الحكومي وفي كثير من شركات ومؤسسات القطاع الخاص يشغلها كبار السن، وقد يكون بعض هؤلاء يعاني أمراضاً وصعوبة في التنقل أو الحركة أو متابعة بعض الأمور الميدانية أو حتى استيعاب بعض التقنيات العصرية الحديثة, إلا أن كثيراً ما نرى أن مثل هذه المناصب القيادية تبقى حكراً على كبار السن.
وللكبير هيبته وخبرته وتجاربه التي تسهم في تكليفه ببعض المناصب القيادية، غير أن مجتمعنا اليوم مجتمع شاب، فأكثر من 60 في المائة من تركيبته السكانية هي من الشباب، وحتى تستطيع أن تقود أي فئة يجب أن تكون قريباً منهم، وأن تعرف طبيعتهم وأسلوب معيشتهم وكيف يفكرون وما طموحاتهم وأهدافهم المستقبلية، بل يجب أن تتعرف على هواياتهم وطبيعة علاقاتهم فيما بينهم وبين أسرهم وبينهم وبين مجتمعهم.
في لقاء ضم مجموعة من الشباب مع أحد المسؤولين طالب الشباب المسؤول بأن يكون متوسط عمر أعضاء أحد المجالس التي يرأسها لا يتجاوز 40 عاماً، رغبة منهم في أن يكون هناك من يمثلهم ويتحدث باسمهم ويقدم احتياجاتهم، وفي رأيي ـ أن هذا مطلب شرعي, فهم يمثلون أغلبية في مجتمعهم، ومن الإنصاف أن تسعى القيادات إلى تلبية احتياجات المجتمع.
إن أمثلة القيادات الشابة في مجتمعنا وعالمنا العربي كثيرة ومتعددة، خصوصاً في القطاع الخاص، وبالأخص في الشركات العائلية، التي يتسلم زمام الأمور فيها قيادات شابة تعمل بكل جهد وتفان وإخلاص لقيادة شركاتها إلى العالمية، مؤكدة بذلك أن القيادات الشابة يمكنها أن تحقق إنجازات طموحة دولية متى ما أتيحت لها الفرصة.
سيبقى للكبار احترامهم وتقديرهم ومكانتهم, لكنهم مع تقدم العمر قد تقل إنتاجيتهم وقد لا تساعدهم صحتهم على ذلك، فيجب عليهم أن يحرصوا على إعطاء الفرصة للشباب أثناء وجودهم، ليتمكنوا من توجيههم وإرشادهم وتقديم الدعم والمشورة اللازمة لهم بدلاً من إقصائهم وعزلهم والحرص على حجب أي منصب قيادي عنهم وعدم ترشيحهم له، وعلى الرغم من أن لكل فريق سلبياته وإيجابياته إلا أننا في حاجة اليوم إلى قيادات شابة لا تستغني عن دعم الكبار ومساندتهم.
إن لدى كثير من شبابنا اليوم علماً ومعرفة وقدرات ومهارات متميزة غير أنها مدفونة وغير مفعلة إما بقصد وإما من دون قصد، ومن الضروري أن نحرص على تفعيل هذه الطاقات لنستفيد منها في بناء هذا الوطن وفي رفعته وتقدمه بدلاً من أن يستغلها ضعاف النفوس فيجندونهم للعمل ضد مصالح هذا الوطن.
إننا في حاجة ماسة اليوم إلى أن نعمل على نشر هذه الثقافة في مجتمعنا بصفة عامة وفي القطاع الحكومي بصفة خاصة بحيث يكون هناك برنامج إداري متخصص لتأهيل الكوادر البشرية للمناصب القيادية، تشرف عليه جهة تتميز بخبرتها الدولية الكبيرة في هذا المجال وتخصص له برامج تدريبية إدارية مكثفة ومتقدمة نظريا وعمليا مصحوبة باختبارات ميدانية وتكاليف لإدارة مشاريع مؤقتة بحيث يمكن تجربة هذا القائد خلال البرنامج من خلال إسناد بعض المشاريع إليه لقيادتها ميدانياً للتأكد من قدراته لتولي مناصب قيادية مستقبلاً، على ألا يتم إسناد أي منصب قيادي إلى أي مرشح ما لم يكن قد اجتاز كل الامتحانات الخاصة بهذا البرنامج ونال هذه الشهادة، فمثل هذا الأمر سيسهم في إسناد المناصب إلى المؤهلين وإلى الأكفاء وسيلغي مفهوم المحسوبية أو المجاملة في التعيينات, كما سينعكس ذلك على النتائج المتوقعة.
إن في شباب وشابات هذا الوطن خيراً كثيراً, وهناك أمثلة كثيرة لم تجد فرصتها في القطاع الحكومي فهاجرت إلى القطاع الخاص فوجدت القبول والاحترام والتقدير وتبوأت أعلى المناصب، وهي اليوم نموذج نفتخر به، فحري بنا أن نهتم بشبابنا وأن نعطيهم الفرصة وألا نغيبهم عن دائرة قراراتنا، وأن نسعى إلى تأهيلهم وتشجيعهم على خدمة وطننا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي