انتهاك الحق في الخصوصية في بعض الأعمال الصحفية

افترض، أخي الكريم، أنك كنت تتنزه مع أفراد أسرتك في مكان عام أو تتناول وجبة في أحد المطاعم، وقد تخليت عن بعض القيود في طريقة اللبس أو الجلوس، وفي اليوم التالي شاهدت صورتك مع باقي أفراد أسرتك على صفحة إحدى الجرايد، عند نشر تقرير عن طريقة تعامل السعوديين مع أطفالهم في الأماكن العامة, أو أي موضوع آخر. هل ترى في ذلك انتهاكا لخصوصيتك, خاصة أن التصوير تم دون علمك؟
تزدحم صحافتنا بعديد من الموضوعات والتقارير مدعومة بصور أخذت في أماكن عامة؛ كالأسواق, والحدائق، والمطاعم، والمطارات, وتظهر في هذه الصور ملامح واضحة لأشخاص موجودين في هذه الأماكن, ويتم توظيف هذه الصور بأشكال مختلفة في هذه التقارير أو الموضوعات، دون مراعاة لخصوصية هؤلاء الأشخاص، حتى وإن التقطت هذه الصور في أماكن عامة.
مفهوم الحق في الخصوصية يتسع لحماية حرية الإنسان في الأماكن العامة؛ إذ هو يتصرف بعفوية تحكمها ظروف الزمان والمكان اللذين يوجد فيهما، ويجب ألا يصبح سلوكه أو حتى وجوده في هذه الأماكن عرضة للنشر والتوظيف الصحفي أو التلفزيوني أو أي وسيلة أخرى, خاصة عندما يكون الموضوع المنشور ذا دلالات سلبية؛ كالحديث عن المعاكسات، أو العنف الأسري، أو العنوسة، أو الإرهاب, أو غيرها من الموضوعات.
الصورة التي تؤخذ في الأماكن العامة ليست كالصورة التي تؤخذ في المناسبات والاحتفالات العامة التي يصاحبها تصوير يلاحظه كل الموجودين ويتم على مرأى منهم؛ ما يتم في الأماكن العامة يكون على حين غرة من الحضور ولا يأخذ في الحسبان طبيعة المكان أو ظروفه. شاهدت في الأسبوع الماضي صورة لرجل مع أفراد أسرته في حديقة عامة، وهو شبه ممتد وحوله أطفال وامرأة، أي أن الرجل في وضع استرخاء مع أسرته إلا أن عدسة الصحفي أبت إلا أن تقتحم خصوصيته وتتطفل عليه بشأن تقرير لا علاقة له به ولم يتحدث فيه، والصورة أتت من زاوية يغلب عدم انتباهه لها، ومهما كان موضوع التقرير الصحفي المنشور؛ فإن حقه في الخصوصية قد انتهك. تقرير آخر عن المرأة وتمويل الإرهاب تصاحبه صور لنساء يخرجن من مجمع تجاري أو جامعة أو مسجد؛ حتى إن كن منقبات فإني أرى أن توظيف صورهن بهذا الشكل ينتهك حقهن في الخصوصية. وموضوع عن العقم تصاحبه صور لمرضى ينتظرون في صالة أحد المستشفيات، وقس على ذلك موضوعات كثيرة ومتنوعة؛ يجتمع فيها الضعف المهني والحقوقي عند عرض صور هؤلاء الأشخاص؛ لأن الصورة «تقرأ» في سياق الموضوع المنشور.
أعتقد أننا نعاني ضعف الوعي الحقوقي على مستويات مختلفة؛ هذا الضعف ينعكس سلبا على الأفراد من حيث عدم علمهم بانتهاك حقوقهم، أو عدم رغبتهم في المطالبة بهذه الحقوق. والصحفيون تلزمهم معرفة أعمق بالحقوق؛ خاصة تلك المتعلقة بعملهم الصحفي. الصحفي المهني المحترف يختار عباراته وصوره بحذر شديد؛ فهو يسير في طريق ضيق محفوف بالمخاطر، ويلزمه توازن يمكنه من استعمال حقوقه الصحفية دون أن يتجاوز حقوق الآخرين. أسلوب «شف لنا أي صورة» دون الوقوف على محتوى الصورة ودلالات العرض وحقوق الأشخاص؛ قد يولد تبعات قانونية على المؤسسات الصحفية، وإذا كانت ثقافة التعويض المعنوي والمادي لتجاوزات العمل الصحفي لم تتجذر لدينا بعد؛ فإن تشكلها في المستقبل أمر لا بد منه، وأرى أن على المؤسسات الصحفية واجب تشكيل الوعي الحقوقي للقارئ والصحفي على حد سواء؛ فكما أن السلطة الرابعة تتعقب تجاوزات السلطات الأخرى؛ فعليها أن تواجه تجاوزاتها أيضا وإن حدثت بحسن نية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي