سمعنا وهم لا يسمعون

تذكر آخر مرة كنت مهموما أو محبطا وذهبت إلى صديق أو أخ أو زوج أو زوجة تبث لهم همومك، فإذا بذلك الشخص لا يعطيك الفرصة ولا يستمع إليك بل يبادر هو بالحديث طوال الوقت عن همومه هو.
تأمل حالك وأنت تريد أن تعبر عن نفسك، تريد أن تشعر أنه مهتم بك وحريص عليك، ولكنك تفاجأ بأنه في الحقيقة لا يحس بك مطلقا فهو في عالمه الخاص يتحدث عن مشكلاته هو وهمومه هو.
إنه شعور محبط إلى أبعد الحدود.
هي حاجة في الإنسان عميقة ومتجذرة في أصل تكوينه، حاجته الماسة الملحة إلى أن يفهم ويستمع إليه، وأن يشعر بالتقدير والاحترام لذاته وهمومه وشخصيته. وليست هناك طريقة أفضل لإشباع هذه الحاجة فيمن حولك من الاستماع لهم بصدق واهتمام وشيء من الفضول. مهما أعطيتهم من الوقت أو الهدايا أو الماديات، لن تفلح في كسب قلوبهم بشكل كامل من دون أن تستمع لهم بصدق.
كثيرا ما نتحدث ونقرأ ونتدرب على فنون الحديث والإلقاء ومخاطبة الجماهير، ولكننا قليلا جدا ما نتدرب على الاستماع. ولطالما نصحنا أبناءنا وبناتنا بألا يخجلوا وأن يتحدثوا في المجالس وأن يعبروا عن أنفسهم (وهذا مهم ومطلوب جدا) ولكننا قليلا ما نعلمهم فن الاستماع وأدب الإنصات.
إن أهم شيء لا بد أن تستحضره عند محاولتك الاستماع للآخرين هو أن تستمع إلى الشخص الذي أمامك وتحاول أن تتفهم بصدق موقفه من خلال منظوره هو وليس منظورك أنت، لأن لكل إنسان جنسه وعمره وخلفياته الاجتماعية والنفسية والثقافية وله ظروفه المكانية والزمانية وكل ذلك قد يختلف عنك تماما ويؤدي به إلى مشاعر وأفكار وتصرفات ومواقف مختلفة عنك و يجدر بك أن تتفهمها في إطار تلك الخلفيات، فإذا أردت أن تستمعي إلى زوجك أو تستمع زوجتك حاول أن تتفهمهم من منظورهم الخاص ومن طريقة تفكيرهم الخاصة، حيث إن بين الرجل والمرأة اختلافات كبيرة في طريقة التفكير ومعالجة الأمور. وإذا تناقشت مع ابنك المراهق فحاول أن تتخيل نفسك مراهقا مثله وتعيش مشاعره بصدق وتنظر إلى المشكلة من أبعاده الاجتماعية والعصرية و''الهرمونية''، وإذا تحدثت إلى عامل عندك مثلا فحاول أن تستمع إليه وتتفهمه من منظور شخص ترك أهله وأولاده وأتى إلى بلاد غريبة. وأنت في كل ذلك لست مضطرا دائما إلى الاقتناع بما تسمع أو التصرف بناء عليه، كل ما هو مطلوب منك أن تستمع بصدق وتتفاعل بإنسانية و تتفهم الطرف الآخر هذا كل ما في الأمر.
والقرآن العظيم عجيب في التفريق بين أنواع الاستماع الفعال والسماع العادي الذي لايجدي، فقد نعى الله تعالى على الذين يسمعون بآذانهم ولكن لا يستمعون بقلوبهم فقال تعالى (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) والآيات في ذلك كثيرة.
بقي أن نقول، إن الاستماع الفعال فوائده ليست فقط في كسب قلوب الناس والتقرب إليهم وإحساسهم بأهميتهم، إن الاستماع الفعال هو أفضل وسيلة للتأثير فيهم وإقناعهم بما تريد، كما قال دين رسك (لقد علمتني الحياة أن أفضل طريقة لإقناع الآخرين، هي أن تستمع لهم). إن حاجة الإنسان إلى أن يشعر أنه مقدر ومفهوم هي بمثابة الجدار الذي يمنع وصول الكثير من الأفكار والتعليمات والتأثير إلى أي شخص، وبمجرد ما يشعر الإنسان أنه قد استمع له وأن أفكاره ومشاعره وهمومه كانت محل تقدير واهتمام وتفهم فإن هذا الحاجز الكبير في التأثير فيه يزول تدريجيا وتنفتح أمامك فرص كبيرة للتأثير في هذا الشخص ونقل أفكارك وتوجيهاتك له.
إذن سجل عندك، هاتان وسيلتان فعالتان جدا للتأثير في الآخرين وكسب قلوبهم، الابتسام في وجوههم بصدق، والاستماع لهم بتفهم، ولكن تذكر أنه الاستماع الفعال وليس مجرد السماع، الاستماع بصدق واهتمام ومن منظورهم هم وليس منظورك أنت، وهذا تحد كبير، ومن جرب عرف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي