أنت مدعو لحفلة طلاق

هناك من ينظر إلى الطلاق على أنه نوع من أنواع الموت, فالطلاق هو نهاية لأقدس علاقة بين الرجل والمرأة, التي يفترض أنها تستمر إلى نهاية العمر. والطلاق من الأمور التي تقع على الخط الفاصل بين الحلال والحرام باعتباره أبغض الحلال عند الله, فالإنسان عند الطلاق قد تنزلق قدمه ويقع في دائرة الحرام, فهناك إنسان, رجل وامرأة, ربما يظلم في الطلاق ويعتدى على حقوقه, وهناك أسرة قد تهدم بغير وجه حق, وهناك أطفال يضيعون أو يشردون بسبب النزوات الشخصية لأحد الزوجين أو كليهما.
الطلاق اليوم بحق المشكلة رقم واحد اجتماعيا في كل دول العالم باستثناء القليل منها, وهناك من بات يصنف الطلاق على أنه صناعة من الصناعات, ولعل في ذلك دعوة لإدراجها في مباحثات منظمة التجارة العالمية, فالخدمات المرتبطة بالطلاق تعود على الاقتصاد الوطني في الولايات المتحدة بأكثر من 30 مليار دولار سنويا. ويفتخر بعض المسؤولين في بريطانيا بأن لندن باتت عاصمة الطلاق في العالم ويقصدها كثير من المشاهير ورجال الأعمال لإنهاء زواجهم في محاكمها نظرا لدقة وسهولة إجراءات الطلاق فيها, فتكلفة الطلاق في المحاكم البريطانية لا تتجاوز في المعدل 80 ألف ريال لا غير.
وتختلف نسب الطلاق في دول العالم, لكن هناك علاقة طردية بين غنى الدول ونسب الطلاق فيها. فأعلى نسبة طلاق مقارنة بعدد حالات الزواج في السويد, وهي الدولة المعروفة بالرفاه الاجتماعي, فنسبة الطلاق في السويد تصل إلى 55 في المائة. وهناك ثلاث دول في العالم تتجاوز نسبة الطلاق فيها عتبة 50 في المائة. أما الولايات المتحدة التي يعتبر شعبها أكثر تدينا من الشعوب الأوروبية فإن نسبة الطلاق فيها تقترب من 50 في المائة. وهناك نحو 15 دولة في العالم نسبة الطلاق عندها تتجاوز الـ 40 في المائة. أما الدول التي فيها أقل نسبة طلاق, ولعل في هذا مفاجأة للبعض, هي الهند, فالهند التي تجاوز عدد سكانها مليار نسمة لا تتجاوز نسبة الطلاق فيها حد 1 في المائة, فالرجل الهندي هو الأكثر إخلاصا لزواجه من بين رجال العالم, ولعل البعض يترقب أن تزداد هذه النسبة مع ازدهار الهند اقتصاديا وتنمويا ويستشهدون على ذلك بما حدث ويحدث في الصين من تزايد في نسب الطلاق, حيث صارت هذه النسب تنافس نسب نموها الاقتصادي. والدولة التي تلي الهند في قائمة الأقل نسبة في الطلاق هي سريلانكا حيث لا تتجاوز النسبة عندها حدود 1.5 في المائة. أما أكبر دولة في نسبة عدد المطلقين فيها إلى عدد السكان فهي الولايات المتحدة, حيث إن هناك خمسة مطلقين لكل ألف شخص.
أما الدول العربية فهي باتت تنافس الدول الغنية في نسب الطلاق, بل إن بعضها يتفوق حتى على الدول الغنية, وهناك تفاوت في الأرقام وهذا أمر طبيعي مرده ضعف التوثيق والإحصاء في العالم العربي. فهناك إحصاءات تذكر بأن الطلاق في مصر تجاوز حدود الـ 40 في المائة. أما في دول مجلس التعاون الخليجي, فبعض الدراسات تقول إن النسبة في حدود 47 في المائة, والبعض الآخر يضعها في حدود 35 في المائة, وهناك من يقول إن الكويت هي الدولة التي فيها أعلى نسبة طلاق, وهناك من يقول إن السعودية في المرتبة الأولى, وتأتي قطر في المرتبة الثالثة بعد الكويت, وإن كانت قطر هي الأعلى في نسبة عدد المطلقين إلى عدد السكان, بل هي الدولة رقم واحد عربيا.
وطلاق المشاهير وبالأخص منهم الفنانون ورجال المال والأعمال صار من المواد الإعلامية المهمة ومحل اهتمام كثير من الناس العاديين, بل صار بعض هؤلاء المشاهير هم ممن يتعمدون بث الشائعات والأخبار عن طلاقهم إما بالاتفاق والتعاون مع هذه المجلات أو محطات التلفزيون التي تنتفع من هذه الأخبار أكثر مما تنتفع به من غيرها من الأخبار, وإما يبادرون إلى ذلك بدافع الحضور الإعلامي والحرص على بقاء أسمائهم تتداول بين الناس. ومما يجذب تتبع الناس طلاق المشاهير هو ما يكلفه هذا الطلاق من أموال, فأجرة أبسط المحامين في مرافعة طلاق إنسان مشهور تصل إلى ثلاثة آلاف ريال للساعة الواحدة. ولعل أغلى طلاق في العالم كان للاعب الأمريكي المشهور في كرة السلة, مايكل جوردون, حيث تم دفع ما يصل إلى 170 مليون دولار لزوجة مايكل ثمنا لطلاقها منه, فكان نصيبها من ثروة مايكل هو بيت الأسرة الرئيسي وأربعة بيوت للضيافة وملعب الغولف والنهر المجاور للبيت وأشياء أخرى.
وللطلاق آثار سلبية في سلامة المجتمع واستقراره, فبعض الدراسات الأمريكية تشير إلى أن كل 100 طلاق ينتج عنها حالتا انتحار وحالة قتل واحدة وتتسبب في ست حالات اغتصاب وتنتهي بالعشرات من الناس إلى السجن. وهناك من الدراسات أيضا ما يربط بين الطلاق والعنوسة وظاهرة انتشار السمنة بين النساء وربما حتى بين الرجال ولعل السبب وراء ذلك هو الاضطرابات النفسية عند المطلق التي في العادة تستثير رغبة الإنسان لالتهام الطعام والإكثار منه. لكن أكثر نتائج الطلاق سلبا هي ما يتسبب فيه الطلاق من تفكيك للأسرة وما يلحق المرأة بالذات من أضرار نفسية واجتماعية وبالأخص في مجتمعاتنا, فالمرأة المطلقة تعاني اجتماعيا ونفسيا ولا تجد في المجتمع ذلك الدعم الذي يساعدها على تجاوز هذه المحنة والخوض في تجربة زواج جديدة. وأما الأطفال فهم الضحايا الذين لا ذنب لهم, فالطلاق يجعلهم أكثر عرضة للمشكلات النفسية وهذه المشكلات تهدد حياتهم المستقبلية. كل هذه المشكلات دفعت بعض المجتمعات إلى تأسيس جمعيات ومؤسسات مدنية للاهتمام بشؤون المطلقات وأبنائهم, ففي مصر انطلقت إذاعة خاصة بالمطلقات سمت نفسها بالمفهومين خطأ, وفي فرنسا أقيم منتدى ومعرض للطلاق في باريس وهي التي تسمي نفسها بأنها عاصمة الحب ولعل طلاق رئيسها شجع البعض على القيام بمثل هذه المعارض, وهي من أجل مساعدة المطلقين للحصول على كل ما قد يحتاجون إليه في حياتهم لمواجهة حياة ما بعد الطلاق.
لا نريد أن يأخذنا الحديث عن الطلاق من دون الإشارة إلى بعض أهم الأسباب المؤدية إلى الطلاق, المحاكم والجامعات ومراكز الدراسات تعج بالبحوث والدراسات التي تبحث في أسباب الطلاق, لكن هناك من الأسباب مما يتفق عليها على أنها أسباب جوهرية وإن لم يشر إليها بوضوح ولم يدركها اهتمام ممن لهم علاقة بالطلاق, إنها الأسباب الكلية التي تتولد منها معظم الأسباب الأخرى, فمن هذه الأسباب ما يلي وباختصار:
1- النضج العاطفي: هناك عدة جوانب في الإنسان ولا بد من أن تنضج هذه الجوانب لإقامة علاقة زواج ناجحة, فهناك نضج جنسي واقتصادي, ولكل منها دور مؤثر في إقامة العلاقة الصحيحة بين الزوجين, لكن ماذا عن النضج العاطفي؟ كثير ممن يقبلون على الزواج لا يدركون أنهم في حاجة إلى قدر من النضج والذكاء العاطفي لاحتواء الطرف الآخر. ولعل من أهم أسباب الطلاق هو أننا نتزوج ونحن نعاني تشوهات وأمراضا وعقدا نفسية ولا تتاح لنا الفرصة للتعلم في كيفية التعامل معها, وعند الزواج تكون الزوجة أو الزوج الضحية لهذه الإعاقة العاطفية.
2 - الحوار الأسري: هناك حياة مشتركة بين الزوج والزوجة, وهذه الشراكة تتخللها حاجة إلى اتخاذ قرارات وتفاهمات, وهناك اختلاف في الرأي والرؤى, ولا يمكن التعامل مع كل هذه الأمور من دون حوار بينهما. ليس مبالغة أن نسبة كبيرة من حوادث الطلاق تقع بسبب عدم إجادة الطرفين ليس فنون القتال بل فنون وأصول الحوار, فالاختلافات هي من الأمور الطبيعية, لكن في غياب الحوار تتحول هذه الخلافات إلى مشكلات وأزمات ربما تطيح بهذه الشراكة.
3 - إدارة الحياة الزوجية: نعترف بأننا اجتماعيا وثقافيا غير أكفاء في الإدارة, والحياة الزوجية فيها كثير من الأمور التي هي في حاجة إلى حسن إدارتها والتعامل معها بدراية. هناك أمور مالية وهناك أمور تربوية وغيرها وكلها في حاجة إلى نوع من الإدارة لأن عدم إدارتها بالشكل الجيد يحدث فوضى عائلية, وهذه الفوضى بيئة مناسبة لإنتاج كثير من المشكلات الأسرية التي تنتهي بالطلاق.
في الختام سئل أحد الأشخاص عن أهم سبب للطلاق فأجاب بأنه الزواج, فلولا الزواج لما حدث الطلاق. فانتشار الطلاق ربما يؤدي بالشباب إلى الابتعاد عن الزواج لما يحدثه انتشار الطلاق من صورة سلبية عن الزواج في أذهان الشباب, وهذا العزوف عن الزواج في حد ذاته مشكلة للمجتمع, لكنه أيضا يفاقم مشكلة العنوسة, فهناك من يقول إننا بتنا قريبين من زمن الاحتفاء بالطلاق وإقامة الحفلات وتوجيه الدعوات لحضور مثل هذه المناسبة, حتى طباعة البطاقات (الكروت) الخاصة بهذه المناسبة, وإقامة الولائم وتوزيع الحلويات, ولنا أن نتصور أننا نحتفي كمجتمع بأبغض الحلال عند الله فماذا سيبقى لنحتمي به اجتماعيا إذا انتهى بنا الحال لنحتفي بالطلاق؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي