وما رآني إلا ضحك

تجربة مثيرة وممتعة، جربها كثيرون قبلك وأنا منهم، وقد جاء دورك لتجربها أنت إن لم تكن جربتها من قبل.
حدد شخصا ممن حولك ممن تريد أن توطد العلاقة معه، شخصا يهمك أمره جدا، شخصا من أقرب المقربين إليك، أو شخصا ممن تعمل معهم يوميا، أو شخصا ممن تحتاج إلى أن توطد معه علاقة، كأن يكون قريبا عائليا، أو زميلا في العمل، أو عميلا مستقبليا متوقعا.
عاهد نفسك ألا ترى هذا الشخص من الآن فصاعدا إلا تبسمت في وجهه.
تبسمت في وجهه بصدق وعفوية وحرارة، ابتسامة تنبع من القلب، وتملأ كل جنبات الوجه، تفيض طاقتها حولك، وتصلك معه بحبل من الارتياح والمودة.
لن تفعل هذه التجربة مع أحد إلا وجدت أنه يقترب منك، ووجدت أن العلاقة بينكما قد امتلأت حميمية وودا. ستحس أن قدرتك على إقناعه بما تريد منه قد ازدادت بشكل كبير، وأن تفهمك لمواقفه واستيعابك لتصرفاته قد تحسن بشكل لم تكن تتوقعه، ستشعر باختصار أنه بدأ يحبك.
«ما رآني إلا ضحك»!، هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع من حوله، لنعرج إلى أحد أقرب الناس إليه، صبي عمره حول العاشرة، خادم في بيته، يلازمه كثيرا، أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحكمته الفذة، ورحمته الواسعة، أنه لا بد أن يملك قلب هذا الغلام، لا بد أن يشعر معه بالراحة والسعادة، قال أنس في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: «ما حجبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك». هكذا بكل بساطة ومن دون تكلف أو تصنع: ما رآني إلا ضحك. فماذا كانت النتيجة الطبيعية لهذه المعاملة؟ ماذا أثمرت هذه التجربة؟ امتلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قلب الغلام وعقله، واستطاع بعد ذلك أن يؤثر في هذا الصبي الصغير أيما تأثير، فيجعله يقوم بعمله مستمتعا به منجذبا إليه، خدمة لمن ملك عليه قلبه وأشعره بإنسانيته. وبعد ذلك لم يعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بحاجة إلى الأمر والنهي، والمتابعة والعقوبة، وسجلات الحضور والغياب، وخطابات الإنذار ولفت النظر، لقد ملك القلب والعقل، فماذا بعد ذلك؟ ملك أداة التفعيل، حاز على مفتاح التشغيل، فكانت هذه النتيجة المدهشة التي يرويها أنس: «خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي أف قط، وما قال لي لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته؟» إذن كيف كان يوجهه؟ كيف كان يبين له ما يريد؟ هو التفعيل في أرقى صورة وأتمها. التفعيل الذي بواسطته تستطيع أن تحرك الناس إلى ما تريد من دون أن تقول شيئا، أن تؤثر فيهم بمجرد وجودك بينهم، أن تمتلك قلوبهم وعقولهم بالقدوة والتعامل والحب حتى وإن لم تمتلك سلطة أو قدرة عليهم. وهذا هو لب القيادة وجوهرها.
وهكذا، فمن أقوى وسائل التفعيل وأكثرها تأثيرا، الابتسامة. هذه الوسيلة التي لا تكلف شيئا، ولا تحتاج إلى حضور دورات، ولا إلى شهادات معتمدة، ولا إلى انتدابات أو مؤتمرات، كل ما تحتاج إليه هو صفاء في القلب، ومحبة للخلق، وشيء من حسن الظن، وتفاؤل بالخير، واستمرارية دون انقطاع.
بعد أن تضع هذه الجريدة التي بين يديك، أو بعد أن تغلق جهاز الحاسب الذي تقرأ منه الآن، ستواجه إنسانا أمامك، قد يكون أحد أفراد أسرتك، أو زميلك في العمل، أو بائعا في محل تجاري، ابتسم لهم جميعا بصدق وإخلاص وتذوق طعم التواصل الفريد.
ولكن لا تنس أبدا، أن تبتسم لأهم شخص في حياتك، وأغلى إنسان لديك، وأهم شيء عندك. كل صباح وقبل النوم إذا نظرت إلى المرآة، أنت بحاجة إلى أن تتواصل مع ذلك الذي في المرآة أيضا، لأننا في كثير من الأحيان نبتسم للغرباء وننسى أن نبتسم له، وهو أحوج ما يكون لهذه الابتسامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي