الدبلوماسية الصينية تعمل لإدارة التوقعات المحلية

يبدو أن الرأي العام في الصين يتمثل في أن البلد أصبح على درجة من القوة يستحق معها أن يعامل بقدر أكبر من الاحترام، خاصة في وقت يعتبر فيه على نطاق واسع أن الولايات المتحدة ستتراجع لا محالة. ويمكن رؤية المؤشرات الدالة على تنامي تأكيد الصين لنفسها في منشورات من قبيل الكتاب الذي صدر عام 1996 بعنوان ''الصين التي تستطيع أن تقول لا .. الخيارات السياسية والعاطفية في حقبة ما بعد الحرب الباردة'' والكتاب الأحدث بعنوان ''الصين ليست سعيدة''.
لكن بينما يعد هذا صحيحاً من الناحية السياسية، والقول كما صرح وزير الخارجية Yang Jiechi أخيرا بأن ''دبلوماسية الصين هي دبلوماسية الشعب'', يواجه الدبلوماسيون الصينيون صعوبة كبيرة في كبح الحماس الشعبي المفرط بشأن تنامي الدور الذي ينبغي أن يلعبه بلدهم على الصعيد العالمي. في مؤتمر صحافي عقده في الآونة الأخيرة، سئل رئيس الوزراء وين جياباو: إلى أي مدى يمكن أن يؤثر الرأي العام في سياسة الصين الخارجية، إذا أخذنا في الاعتبار أن بعض الناس يقولون الآن ''ينبغي أن نسير نحن الصينيين مرفوعي الرأس في الساحة العالمية''؟ وفي إجابته عن السؤال، أوضح رئيس الوزراء وين أنه '' في صياغة وتنفيذ سياستنا الخارجية، فإن هدفنا هو دعم مصالح الصين، وسيادة الصين، ووحدة الأراضي الصينية بشكل خاص''. لكن رئيس الوزراء أوضح بجلاء أنه لا يتم تنفيذ الدبلوماسية ببساطة عبر القيام بعمليات مسح للرأي العام. وقال: ''إننا نأخذ في الحسبان أيضا الأوضاع الداخلية والدولية في معرض تنفيذ سياستنا الخارجية. إن الصين بلد يقدر الصداقة، والمصداقية والكرامة.. وفي اعتقادي أن البلد المنفتح الذي لا يستثني أحداً هو وحده الذي يمكن أن يزدهر''.
وفي مؤتمر صحافي منفصل، سئل وزير الخارجية Yang عن ''التغيرات في الوضع الدولي وفي دبلوماسية الصين؟'', فأجاب بأن هناك تغييرات كبيرة في العلاقات الدولية وفي المشهد الدولي نتيجة تطورات مثل ''زيادة القوة الكلية للبلدان النامية'' بينما حرص على عدم ذكر الصين بالاسم.
غير أنه أنكر أن ''الصين بدأت تصبح أكثر تشدداً على الجبهة الخارجية'' وعزا هذه الرؤى إلى سوء الفهم. ''أود أن أقول إن تمسك المرء بمبادئه وكونه متشدداً أو غير متشدد أمران مختلفان تمام الاختلاف''.
لقد انعكس الضغط الشعبي الذي يقع تحته الدبلوماسيون الصينيون في مقابلة مع Zhou Wenzhong الذي ترك منصبه كسفير لبلاده في واشنطن بعد أن شغله لمدة خمسة أعوام. فلدى سؤاله إن كان قد قرأ كتاب ''الصين التي تستطيع أن تقول لا'' وكتاب ''الصين ليست سعيدة'' أجاب أنه قرأ الكتابين ودافع عن الدبلوماسيين الصينيين بقوله '' لقد قلنا لا في كل المواقف التي كان ينبغي أن نقول فيها لا''.
وقامت وزارة الخارجية الصينية في الآونة الأخيرة بتنظيم دردشة على الإنترنت بعنوان ''كيف ينظر العالم إلى الصين؟'' شارك فيها السفيران السابقان: لي فنجلين Li Fenglin لدى روسيا، وLu Qiutian لدى ألمانيا.
وسأل شخص أشار إلى أن الصين طالما اتبعت تعليمات دنج زياوبنج الراحل كي تتبنى لهجة خفيفة، عن التغيرات التي ستحدث في السياسة الخارجية للبلد.
لكن السيد لي أجاب بأن الالتزام بتعليمات دنج كان مبدأ أساسياً وليس استراتيجية. وقال إن الصين لم تتبن لهجة خفيفة لتنتظر الفرصة الملائمة إلى أن تصبح قوية وبعد ذلك ستكشف عن حقيقتها. وزيادة على ذلك، أضاف أن الصين بعيدة جداً عن كونها قوة عظمى، وربما يستغرق الأمر عدة أجيال أخرى حتى تصبح كذلك.
وأشار أيضاً إلى أن البلدان الأخرى، افتراضاً منها بأن الصين أصبحت قوة عظمى بالفعل، تدعو الصين إلى الاضطلاع بمسؤوليات دولية أكبر. لكنه قال إن الصين غير جاهزة للاضطلاع بهذه المسؤوليات ويجب أن تقرر هي مكانتها في العالم. أما السفير Lu فقال إن الصين ترغب في الحفاظ على السلم العالمي وبناء عالم يسوده الوئام, وأكد أن الصين بلد نام بعدد سكان كبير وقاعدة اقتصادية ضعيفة.
وبدا أن كلا الدبلوماسيين الرفيعين يعتقدان أن الأحوال الأساسية في الصين لم تتغير وأنه ينبغي عليها أن تقدر الوضع العالمي ودورها في العالم بحرص وعناية. ومن المؤكد أنهما يعتقدان أنه سيكون من الطيش أن تتصرف الصين كما لو أنها قوة عظمى بالفعل، بغض النظر عما يعتقده الشعب الصيني.
وهكذا، فإنه بينما تطالب بقية العالم الصين بالاضطلاع بمسؤوليات القوة العظمى، إلا أنه في داخل الصين وبالتأكيد داخل الصفوف العليا للبيروقراطية – هناك إحجام ملحوظ عن ممارسة دور القوة العظمى.
من المؤكد أن الصين لا تعتقد أنها قادرة على الحلول محل الولايات المتحدة، لا في الوقت الراهن ولا في المستقبل المنظور.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OpinionAsia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي