وهكذا .. ارتفع سعر الحديد!

كتبت قبل ثلاثة أسابيع عن أزمة ارتفاع أسعار الحديد، وبينت أسبابها واقترحت السياسة السليمة لمواجهة الأزمة. قلت إن سبب الأزمة خارجي في الدرجة الأولى وهو ارتفاع تكاليف خامات وكتل الحديد المستوردة التي رفعت بدورها السعر العالمي للحديد المستورد. فأصبح في سوقنا سعران: سعر عالمي عال، وسعر محلي منخفض لحديد سابك، ووجود سعرين للحديد هو الذي أدى إلى هذا الاضطراب في السوق. إذ دفع السعر المنخفض لحديد ''سابك'' بعض تجار الحديد إلى شرائه ثم تخزينه لبيعه بسعر السوق الأعلى. وعلى الرغم من أن هذا سلوك مذموم من الناحية الشرعية والأخلاقية، إلا أنه سلوك متوقع عند وجود سعرين في السوق. وهذه حقيقة يعرفها الناس والتجار والاقتصاديون. فالسوق الحرة المفتوحة لن تسمح بوجود سعرين لأي سلعة لفترة طويلة، والنتيجة هي اضطراب السوق وظهور شح في العرض، وسيادة منطق السوق السوداء. وسيبقى هذا الوضع حتى يعترف الجميع بضرورة سيادة سعر واحد في السوق في نهاية المطاف.
عند مواجهة الأزمات الاقتصادية، يجب علينا أن نفرق - من الناحية المنهجية - بين ما هو كائن وما يجب أن يكون! إن الطريقة السليمة لمواجهة الأزمة لا تكون بتدخل الأجهزة الحكومية في قوى العرض والطلب في السوق بفرض سعر يقل عن سعر السوق على منتجات ''سابك''، طالما أن إنتاج ''سابك'' لا يغطي كل طلب السوق. فحينها لن تجدي أوامر إدارية ولا مراقبة حكومية في السيطرة على الوضع، لأن ما سيجري التعامل به عمليا هو السعر الأعلى، وستختفي من السوق الكميات المشتراة بالسعر الأرخص، إلى أن تباع بالسعر الأعلى.
بالطبع ارتفاع الأسعار يؤلمنا جميعا، وليس فينا من يتمناه لأن ليس له سوى معنى واحد وهو زيادة تكاليف البناء على الناس. وكلنا يتمنى بقاء الأسعار عند مستوياتها القديمة أو حتى أقل منها، وهذا ما رغبت فيه الحكومة وسعت إليه فعلا فيما يقع تحت سلطانها. بيد أن هناك فرقا من الناحية العملية بين الأماني (بقاء الأسعار منخفضة)، وما يمكن عمله (السيطرة على الأسعار).
صناعة الحديد عندنا تعتمد على خامات أولية تستورد من ثلاث جهات رئيسة هي أستراليا، البرازيل، والهند. وقد ارتفعت أسعار هذه الخامات أخيرا بنحو 60 في المائة، ولا سلطان لنا عليها. وسيكون من الصعب عمليا تجاهل الواقع في ظل المعطيات القائمة. لذا يغدو من الأسلم، والأصلح للناس، والأكثر كفاءة من الناحية الاقتصادية - لضمان عدم شح المعروض في الأسواق - عدم التدخل في سعر السوق طالما يصعب الدفاع عنه بتوفير الكميات المطلوبة من الإنتاج المحلي الخاضع لتوجيهات الحكومة (إنتاج سابك). وبدلا من ذلك على الأجهزة الحكومية أن تركز على كل ما يساعد على زيادة العرض. كأن تعمل على تخفيض الرسوم الجمركية على خامات وكتل الحديد، وتيسر الإجراءات الحكومية للمنتجين والمستوردين وحل مشكلاتهم. أما على المدى البعيد، فعلى الحكومة أن تقدم مزيداً من الحوافز لتشجيع المنتجين على زيادة الطاقة الإنتاجية المستقبلية ومسايرتها لنمو الطلب المتوقع من خلال توسعة خطوط الإنتاج أو دخول منتجين إضافيين. هذا من جانب العرض، أما جانب الطلب فربما استطاعت الحكومة من جانبها في أوقات الأزمات تأجيل تنفيذ ما يمكن تأجيله من مشاريعها العمرانية والإنشائية مؤقتا لكبح جماح الطلب.
وما توقعته هو ما انتهى إليه الأمر. فقد تيقن المسؤولون في وزارة التجارة والصناعة أن السوق لا يقبل سعرين. فعمدت قبل أيام إلى رفع الحد الأقصى لسعر بيع منتجات حديد التسليح المحلي والمستورد، ليتوافق مع ظروف العرض والطلب في السوق. وهذا هو ما انتهت إليه أيضا اللجنة الدائمة في المجلس الاقتصادي الأعلى، التي رأت أنه لا مفر من مواجهة واقع السوق، ومن ثم ضرورة أن تعكس أسعار الحديد في السوق سعر التكلفة على المنتجين. وهكذا زادت أسعار حديد ''سابك'' بمقدار 740 ريالا للطن، كما ارتفعت أسعار حديد مصنع ''الاتفاق'' 820 ريالا، وحديد مصنع ''الراجحي'' بمقدار 600 ريال، وحديد مصنع ''اليمامة'' بمقدار 215 ريالا، فيما شهد الحديد المستورد من الصين وتركيا زيادة بمقدار 535 ريالا، والقطري بمقدار 420 ريالا. ويبقى أن تعمد وزارة التجارة والصناعة إلى إلغاء الرسوم الجمركية على الحديد المستورد البالغة 5 في المائة للمساهمة في زيادة العرض وحل أزمة نقص الحديد. تخفيض الأسعار لا يكون بفرض سعر محدد، وإنما بالعمل على تشجيع زيادة العرض وكبح جماح الطلب!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي