شراكة لصالح الوطن
من الملامح الجميلة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) لهذا العام أن شعار «وحدة وطن» الذي صدح في سماء المهرجان ليلة افتتاحه تناغمت معه كل الفعاليات المشاركة من كل بقعة من بقاع هذه الأرض الطيبة، إذ قدمت جميعها نماذج حية ومشرقة لتلك الوحدة عبر المكان والزمان. من بين تلك النماذج مشاركة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، جامعة المستقبل، ضمن جناح وزارة التربية والتعليم، التي جاءت « لتعريف شرائح المجتمع كافة بالتاريخ العلمي للمسلمين ودورهم في الحضارة الإنسانية، والتعريف بأدوار الجامعة كبيت حكمة جديد في العالم» حسبما ورد على لسان نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية المهندس نظمي النصر في لقاء نشرته جريدة (عكاظ) بتاريخ 8/4/1431هـ. كما جاء في اللقاء أن «من أهم ما تركز عليه رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والنظام الأساسي للجامعة العمل مع باقي المؤسسات العلمية في الوطن لتحويل المملكة إلى اقتصاد المعرفة».
ما استرعى انتباهي في تلك المشاركة هو اختيار المكان مع التعليم العام ومؤسسة موهبة ما دعاني للعودة والتأمل فيما سبق أن طرحته من رأي في «الاقتصادية»، في 6/9/1428هـ، أي قبيل افتتاح الجامعة. يومئذ كتبت مقالا تحت عنوان (جامعة الملك عبد الله وبناء خطوط الإمداد الخلفية) أشرت فيه إلى بعض التحديات التي قد تواجه الجامعة الجديدة وتتطلب ، إلى جانب المال والإدارة الجيـدة، فكراً غير تقليدي قادراً على تسخير الفرص والإمكانات المتاحة في سياق خارج الإطــار المألوف للآخرين. من أبرز تلك التحديات اختصار الزمن اللازم لتأسيس برامج ذات شأن في مجالات العلوم والتقنية ، ثم المحافظة على استمرارية تلك البرامج في بيئة عمل مستقرة تفضي إلى بناء معرفة تراكمية على المدى الطويل.
ومما يسجل للجامعة أنها تناولت الشق الأول من تلك التحديات بمهنية عالية ومثابرة أدهشت الكثير من المراقبين، إذ بادرت في وقت مبكر نسبياً في التعامل مع «قضية عامل الزمن» عبر إبرام اتفاقات تعاون مع عدد من مراكز الأبحاث المرموقة في أنحاء المعمورة ، وأطلقت حملة واسعة للتواصل مع المبدعين من أبنائنا المبتعثين في الخارج لتمويل ورعاية أبحاثهم كخطوة أولى تمهيداً لنقل تلك الأبحاث والمشتغلين بها إلى معامل الجامعة في «تول» على ساحل البحر الأحمر . كما أطلقت الجامعة حملة أخرى على مستوى العالم لاستقطاب نوعيات متميزة من طلبة الدراسات العليا في العلوم والتقنية للانخراط ضمن صفوفها. ويمكن القول اليوم ولم يمض بعد عام على افتتاح الجامعة أن تلك الخطوات بدأت تؤتي بعضا من أكلها.
أما التحدي الآخر الذي أشرت إليه في المقال ألا وهو الحفاظ على استمرارية برامج البحث العلمي، فقد ذكرت أنه يتطلب عملاً مؤسسياً تختلف طبيعته عن الأعمال التي اعتادت الجامعات المماثلة في الغرب الاضطلاع بها، إذ لا تجد تلك الجامعات هناك عناء في الحصول على ما تحتاجه من « خامات بشرية « أُعدت بشكل جيد في مراحل التعليم العام، بينما في المقابل تجد جامعة الملك عبد الله نفسها أمام مصادر محلية محدودة للغاية. لذا طرحت مقترحا بأن تفرد الجامعة من الآن برنامجاً تخصص له موارد مالية كافية لتنمية وتأهيل تلك المصادر. إذ باتت الفرصة مواتية أمام الجامعة لتصميم مناهج في التعليم العام توفر لها ما تحتاجه من مخرجات بعد أن قررت وزارة التربية والتعليم في المملكة منح المدارس الأهلية مرونة في اختيار مناهجها ولغة تدريسها. ومن ثم لم تعد هناك عقبة نظام أو لوائح فيما لو شاءت الجامعة تبني مجموعة مختارة من بعض المدارس الخاصة لتدريس برنامج يقود في النهاية إلى «إنتاج خامات» وطنية صالحة لدفع عجلة البحث العلمي في الجامعة بشكل منتظم على المدى البعيد. ويبدو من حديث المهندس النصر أن «كاوست» قد شرعت في التنسيق مع مؤسسة موهبة لإنتاج تلك الخامات وتأمين خطوط إمداد خلفية للجامعة يمكن الركون إليها في المستقبل، بإذن الله. كما يبدو من حديثه أيضا أن هناك فرصة لتكوين شراكة مستدامة مع وزارة التربية والتعليم لتحقيق ذلك الهدف على نطاق واسع.
إن الدعم اللا محدود من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لقطاع التعليم بجميع مراحله يوفر قاعدة صلبة لتلك الشراكة التي أنظر إليها بتفاؤل لما يتمتع به الشريكان، الوزارة والجامعة، من قيادات واعية لمسؤوليتها نحو الوطن ومستقبل أبنائه.