الشيخ عبد العزيز التويجري في وجدان الوطن
قبل ثلاث سنوات وبالتحديد في الرابع والعشرين من شهر جمادى الأولى لسنة ألف وأربعمائة وثمان وعشرين للهجرة فقدت المملكة أحد رجالها الأوفياء المخلصين الصادقين الطيبين النقيين وعلماً من أعلامها الأفذاذ في مجال الفكر والأدب والثقافة... بوفاة معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري. الذي يعد من رجالات الدولة الأوائل الذين خدموا دولتهم بكل تفان وإخلاص قرابة الثمانين عاما بدءاً بخدمته للملك المؤسس الباني الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - طيب الله ثراه - حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - أيده الله.. فضلاً عن أن الشيخ التويجري- رحمه الله- يعد من أكابر المثقفين في عالمنا العربي، ورمزاً من رموز الثقافة السعودية حيث خلف عديدا من المؤلفات، ورفد المكتبة السعودية بأكثر من 15 كتاباً في السيرة، والتاريخ، والأدب.
لقد خط الشيخ عبد العزيز التويجري لنفسه خطاً واضحاً متميزاً تجلت فيه أصالته الحقيقية، وحزم أمره تجاه النهايات التي يرغب فيها من خدمة لدينه ثم مليكه ووطنه.. وكان ثابتاً على المبدأ لا يخذل الحق.. ملتقى نادرا للفضائل... مدرسة في الحكمة والإنسانية، وداعية للمكارم والأخلاق، فهو الذي قوم حضارة اليوم على أنها لا تقاس برقي العلوم، بل هي الرقي الخلقي فهو القائل: (ليس متحضراً من هبط على القمر، ولم يهبط داخل نفسه ليقهر شرورها واعتداءها ونزوعها إلى الفساد). كان يتحدث كثيرا، كما هي مؤلفاته عن مؤسس هذا الكيان العظيم الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه -، ويفيض قلبه بحبه.. يسرد التاريخ وأحداثه المهمة.. ينطلق من ثوابت الأمة ومصالحها الكبرى، وينظر إلى الأمور من زاوية الحقيقة، ويعبر عن آفاق وآفاق.. مجالسه تتوق لها، متمنيا لو عادت. علمنا الفلسفة.. وجعلنا نتعرف حينها على فلاسفة الأندلس أمثال ابن باجه، وابن طفيل، وابن رشد إلى سقراط، وأرسطو، وأفلاطون من فلاسفة اليونان، وامتلك بلاغة الكلام والمنطق وتميز بصدقية آسرة في بناء، وتوثيق العلاقات ومودة ومحبة كان ينثرها من دون تكلف تفتح له القلوب والآذان. إنسان بلغت به فطرته عوالم رفيعة..انه حقاً عالم مضن لفكري البسيط.. كل ذلك و أكثر يجعلني استحضر هذا البيت: رأيته ورأيت الناس في رجل.... والدهر في ساعة والأرض في دار.
غادر أبو عبد المحسن الدنيا تاركا خلفه تراثاً كبيرا من الإنجازات التي حققها على مدار أكثر من ثمانية عقود.. أقوال وحكايات يطيب ذكرها للسامعين.. لقد ترك مواقف نعتز بها ونعتبرها مرجعا ننهل منه في الإيثار والالتزام وحب الوطن وغيرها من القيم والمبادئ التي تعتبر مصدر إعجاب وتقدير، من هنا فإنني اليوم وأنا أسترجع تلك السيرة والمسيرة لأنموذج استثنائي مشرف من نماذج هذا الوطن التي تجلت، وتألقت فأشرقت ضوءا وضياءً.. أتوقف وبسؤال احتل قائمة فكري.. إلى أي حدٍ يمكن لنا أن نبرهن عملياً على وفائنا لهذه القامة الوطنية ؟.. وإلى أي مدى يمكن لنا أن نستفيد من تلك الرموز من خلال الدراسة والتحقيق واستعراض التجربة ، وإبقاء هذه الأسماء ضمن دائرة الضوء لتستفيد منها أجيالنا القادمة ؟ ولنكرس مفاهيم أهمية التميز والتألق والإبداع في إطار استثمار الشخصيات البارزة صاحبة الأدوار الريادية في منظومتنا الوطنية. فمن غير المعقول أن نتجاوز صفحة الفقيد بهذه السهولة.. الأمر الذي يلزمنا فعلاً بإعادة قراءة تاريخ الشيخ وتنفيذ مشروع ثقافي أو علمي يستهدف هذه الشخصية.. أو من خلال مركز متألق يحمل اسمه، ويخلد ذكراه، ويتناول حياته وتجاربه ومواقفه وإنجازاته ، ويلقي مزيداً من الضوء على امتيازاته.. فكراً.. انتماءً.. مواطنةً.. توازناً... ولكن هل يمكن أن يموت صاحب الذكر الطيب العطر؟ وهل يموت من كتب (لسراة الليل هتف الصباح)، و(وعند الصباح حمد القوم السرى)، هذان المؤلفان اللذان يعدان من أفضل ما كتب عن المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه؟
دعوة أبعثها، وأبثها من قلب صادق محب، مخلص للوطن قيادة وأرضاً وإنساناً. بالنسبة لي، فإنني، وإن بلغت مشاعري نحو شيخي أبي عبد المحسن عمقاً لا أدرك نفسي بعده، ومساحة لا أعرف حدودها.. لا أملك أكثر من أن أقول.. شكراً يا سيدي الشيخ على حياة ازدادت غنى بالقرب منك والعمل معك. وأنني أختزن المحبة والتقدير والامتنان في ذاكرتي نحو شيخي أبي عبد المحسن، فمدرسة الشيخ تماماً كالدوحة الشامخة التي لا تبخل بظلها وثمارها على محبيها وقاصديها. وما زلت أدين للراحل الكريم وقوفه مسانداً وداعماً في مسيرتي العلمية والعملية، وبالخصوص في موضوع رسالة الدكتوراه التي عُدّت الأولى باسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -... حينها قال لي يرحمه الله: (... يا ولدى أنت حفظت وقتك...)، رحم الله أبا عبد المحسن وجعل الجنة مأواه، وجعل ما قدمه لدينه ومليكه ووطنه في صحائف أعماله ويرفع به درجاته.