المرأة السعودية وتصحيح المفاهيم المغلوطة

قلد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمة الدكتورة خولة بنت سامي الكريع، وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، نظير تحقيقها لعدد من الإنجازات البحثية المتقدمة في مجال الطب.
ما حققته خولة الكريع من إنجاز علمي نوعي في مجال أبحاث الخلايا السرطانية، وفي مجالات طبية أخرى، أكسبها شهرة عالمية واسعة، أهلتها لنيل عديد من الجوائز العالمية، التي لعل من بين أهمها وأبرزها، جائزة هارفارد 2007 للتميز العلمي، التي منحت لها في العام نفسه، لتتفوق بذلك على 300 طبيب وطبية على مستوى العالم.
جدير بالذكر أن خولة الكريع، ليست المرأة السعودية الوحيدة، التي حققت إنجازات علمية شدت انتباه العالم إليها في مجال البحث العلمي، حيث قد حققت سيدات سعوديات أخريات، عددا من الإنجازات العلمية الرائعة، في مجالات علمية تخصصية وبحثية مختلفة، لفتت أنظار العالم إليها، ونلن عليها جوائز وتقديرات عالمية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، حياة سندي، وغادة المطيري، وهويدا القثامي، وسميرة إسلام، وفهدة الشبيب، ومشاعل العيسي، وفاتن خورشيد، جميعهن من بين السعوديات اللاتي، تمكن من تحقيق إنجازات علمية مهمة على المستوى العالمي، مما أهلهن، كما أسلفت، لنيل جوائز وتقديرات عالمية. إن اللافت للنظر أن مساهمات المرأة السعودية في مجالات العمل والتنمية، قد تصاعدت وتيرتها، وتنوعت اتجاهاتها ومقاصدها، منذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد في عام 2005، حيث لم تعد تتركز، كما كان عليه الوضع في السابق، في مجالات عمل ضيقة ومحدودة للغايةً، كقطاع التربية والتعليم، الذي تشير الإحصائيات إلى أن نسبة مشاركة المرأة فيه تبلغ نحو 84.1 في المائة.
إن توجه الدولة نحو توسيع وتنويع مجالات عمل المرأة، فتح أمامها فرص عمل عديدة في مجالات وأنشطة اقتصادية وتنموية وخدمية متنوعة، فعلى سبيل المثال، تم تعيين عدد لا بأس به من النساء في وزارات وفي مرافق حكومية مختلفة، هذا إضافة إلى استحداث أقسام للنساء في السلك العسكري مثل الجوازات والسجون والدفاع المدني لمكافحة الحرائق، كما تم لأول مرة في تاريخ المملكة تعيين امرأة في مرتبة نائب لوزير التربية والتعليم لشؤون البنات، وتعيين أيضاً ولأول مرة امرأة في منصب مساعد أمين جدة لشؤون تقنية المعلومات، وتعيين مديرة لجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للبنات.
المرأة السعودية حظيت كذلك بدعم وافر من قبل مجلس الشورى، وغرفتي جدة والمنطقة الشرقية، حيث يستعين مجلس الشورى بكثير من النساء لاستشارتهن في الأمور التي تخصهن، كما أن بعضهن يحضر للمجلس سواء لتقديم استشارة، أو لحضور جلسة من جلسات المجلس، أما بالنسبة لغرفتي جدة والمنطقة الشرقية، فمجلس إدارة كل منهما، يضم بين أعضائه سيدات أعمال سعوديات فاعلات، يشاركن جنبا إلى جنب مع الرجل في صنع القرارات التي تتمخض عن اجتماعات المجلسين.
القرارات الأخيرة التي صدرت عن وزارة التجارة والصناعة، وبالذات التي ألغت الحاجة إلى الوكيل الشرعي أو إلى مدير أعمال رجل، في حالة ممارسة المرأة الأنشطة تجارية لا تتطلب الاحتكاك بالرجال، أسهمت إلى حد كبير في تعزيز مكانة المرأة السعودية، ومنحتها المزيد من الاستقلالية وحرية الحركة، بالذات وضاعفت من الفرص الوظيفية المتاحة للمرأة، ولا سيما أن تلك القرارات أسهمت بشكل كبير في تبسيط إجراءات تأسيس الشركات والمؤسسات الخاصة بأعمال سيدات الأعمال، حيث قد سمح للمرأة بمزاولة جميع الأنشطة التجارية دون استثناء كالمقاولات والصيانة والنظافة والتشغيل والعقارات، بما في ذلك افتتاح فروع لها أسوة بالرجال.
هيئة حقوق الإنسان في السعودية، نوهت في تقريرها الأخير إلى النقلات النوعية، التي حققتها المرأة السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين، ومساهماتها الفاعلة في عديد من المجالات والأنشطة الاقتصادية والتنموية على المستويين المحلي والدولي، داعية إلى إيجاد المزيد من الفرص العملية للمرأة في ظل تقدمها في المجالين العلمي والعملي، وقد استشهد التقرير المذكور بعدد من الإنجازات والقفزات النوعية التي حققتها المرأة السعودية خلال السنوات القليلة الماضية منذ تولى خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم في البلاد، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تخرج أول دفعة من السيدات متخصصة في القانون من كلية الأنظمة والعلوم السياسية في جامعة الملك سعود وحيث بلغ عددهن 49 طالبة، ومساهمات المرأة في الحوارات الوطنية التي عقدت في المملكة، والقرار الأخير القاضي بزيادة عدد المستشارات غير المتفرغات في مجلس الشورى من ست عضوات إلى 12 عضوة.
هذه الإنجازات التنموية والقفزات الحضارية، التي حققتها المرأة السعودية في مختلف المجالات والأنشطة الحياتية، تبعث الفخر والارتياح والاعتزاز في النفس، وتعزز من الثقة بقدرات المرأة السعودية، وتؤكد أنه ليس هناك فرق بين عمل الرجل والمرأة في مجالات حياتية متعددة ومتنوعة، بما في ذلك القدرة على العطاء والإبداع، متى ما منحت الفرصة وهيئت لها الظروف المناسبة، كما أن هذه الإنجازات سواء التي تمت على المستوى المحلي أم الدولي، ترد على المشككين في قدرات المرأة ومطالبتهم بأن مكانها المناسب هو المنزل.
خلاصة القول، إن المرأة السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ حفظه الله، قطعت شوطاً كبيراً في مجال التنمية الحضارية والاقتصادية، من خلال مساهماتها على المستويين الدولي والمحلي في مجالات وأنشطة حياتية متنوعة، الأمر الذي يفرض على أفراد المجتمع السعودي تشجيعها ومساندتها والشد على يدها، لتحقق المزيد من الإنجازات والعطاءات. ومن هذا المنطلق فإنني أتفق تماماً مع ما ورد في مقال الأستاذ داود الشريان في جريدة «الحياة» في مقال نشر له بعنوان: «أضعف الإيمان.. السعوديات بين الإنجاز والإحباط»، إن وضع المرأة في المجتمع السعودي تغير بشكل جذري، منذ أن تولى الملك عبد الله بن عبد العزيز الحكم، حيث تقلدت المرأة السعودية، مناصب رسمية للمرة الأولى، وأصبحت حاضرة بقوة في مشهد الحياة اليومية، ولقي حضورها ومبادراتها تشجيعاً، لكن رغم كل هذه المحاولات لا تزال المرأة السعودية تعاني جور المعاملة، والنظرة المجحفة، المستندة إلى بعض التقاليد والقوانين، التي تكرس بقاء المرأة مواطناً من الدرجة الثالثة.
للتعامل مع جملة التحديات والمعوقات، التي تواجه المرأة السعودية، في بلادنا رغم ما تحقق من إنجازات، الأمر يتطلب من المرأة نفسها بذل المزيد من الجهد في سبيل ما يعرف اصطلاحا (بالتمكين)، لتتمكن المرأة من اختراق مجالات عمل وأنشطة حياتية أوسع مقارنة بما هو عليه واقع الحال اليوم، آخذة في الحسبان، أنه على الرغم من التوسع الذي حدث في مجالات عملها، إلا أنه لا تزال هناك فرص عمل واستثمارات متاحة، لم تستغل أو تستثمر بعد Untapped Business Opportunities، الأمر الذي يؤكده ضآلة عدد السجلات التجارية المملوكة للسعوديات مقارنة بإجمالي عدد السجلات الصادرة على مستوى المملكة، إذ تشير الإحصائيات، إلى أن عدد السجلات المملوكة للسيدات قد بلغ 40 ألف سجل في عام 2009، في حين أن إجمالي عدد السجلات المصدرة في المملكة تجاوز الـ 800 ألف سجل، هذا إضافة إلى أن نسبة الاستثمارات المباشرة الخاصة بالسيدات تعد نسبة متدنية للغاية (لا تتجاوز 3 في المائة)، مقارنة بتلك الخاصة بالرجال، وهنا أضع مسؤولية تمكين المرأة، على عاتق المرأة نفسها، ممثلة في سيدات الأعمال وأستاذات الجامعات، بما في ذلك النساء العضوات في مجالس الغرف التجارية، والمستشارات في مجلس الشورى، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي