ليس عندي وقت للإجازة
هل تشعر بالذنب أو تأنيب الضمير عندما تأخذ إجازة أو قسطا من الراحة؟
إذا كان هذا حالك فإن مفهومك للعمل والإجازة يحتاج إلى إعادة نظر!
وبالمقابل، هل تشعر إنك تظل طوال العام تنتظر الإجازة مثل الطالب في المدرسة تعيش على أملها وتستشرف قدومها وإذا انتهت تشعر بالهم الثقيل والنكد المبين على العودة إلى العمل؟
إذا كان هذا حالك فلديك أيضا مشكلة في تصورك للعمل والإجازة.
الإجازة في حياة الإنسان الفاعل هي جزء لا يتجزأ من العمل ولبنة أساسية من لبنات النجاح وليست وقتا مستقطعا من العمل أو إجازة اضطرارية من الإنجاز. الإجازة إنجاز في حد ذاته، هي جزء من الخطة، وإحدى مراحل تنفيذها.
كان أمام عامل مهمة كبيرة وصعبة في إحدى غابات أوروبا لتقطيع عدد كبير من الأشجار في غابة كبيرة وكان عليه أن ينتهي من تقطيع عدد معين من الشجر في ثلاثة أيام ، وظل يعمل ليلا ونهارا زهاء اليومين الأولين، وفي اليوم الثالث أعياه التعب ولكن أمامه مهمة كبيرة وطويلة ولا يمكنه التنازل عنها وإلا مات أطفاله الصغار جوعا ، فاستمر يعمل ويضغط على نفسه حتى أحس بالإنهاك التام. بعد قليل جاءه صاحب العمل الذي تزايدت عليه الطلبات وقال له: إذا استطعت أن تقطع لي مائة شجرة إضافية في يومين إضافيين فسوف أضاعف لك المبلغ. زاد هذا الخبر من حماس العامل واتصل على زوجته وقال لها سأتاخر يومين إضافيين ولكني سآتيكم بضعف المبلغ، واستمر يواصل الليل بالنهار حتى كلت قواه تماما. مر عليه في هذه الأثناء رجل حكيم ورأى العامل يجر رجليه ولا يكاد يتمالك يديه وهو يقوم بتقطيع الأشجار وأمامه بعد خمسون شجرة لا بد أن ينهيها في نصف اليوم الأخير الباقي. تحدث إليه وشجعه وقال: لماذا لا ترتاح قليلا، ثم تستحم لتستعيد نشاطك، ثم تسن المنشار ثم تعاود العمل. ضحك العامل وهو يقطع إحدى الأشجار الكبيرة والعرق يتصبب من على جبهته الكادحة وقال للرجل الحكيم: يا لك من غبي ! ألا ترى أنني مشغول جدا وأنني متأخر ولا بد أن أقطع كل هذه الأشجار قبل الغد؟ من أين آتي بالوقت؟ أنا مشغول جدا، لا وقت عندي للراحة أو لسن المنشار.
الإجازة والراحة و (سن المنشار) هي من صميم العمل ومن أساسيات الإبداع والنجاح. لو ترك الإنسان نفسه تطارد أهدافها وتلاحق أعمالها فإن الكلل لا بد أن يتسلل إليه وعند ذلك تقل الفاعلية ويتناقص الإبداع ويخسر الإنسان بلا شك على المدى البعيد. ما رأيكم لو ارتاح هذا العامل فعلا ساعة، ثم استحم كما نصحه الحكيم، ثم قضى نصف ساعة أخرى في سن منشاره بحيث يكون أسرع في القطع وأمضى، هل سيكون أضاع وقته؟ ما تأثير هذا في فاعليته وقدرته على مواصلة الإنجاز؟ ما تأثير ذلك في قدرته على أداء العمل القادم والذي بعده؟ وما تأثيره في صحته وأسرته ومزاجه وتركيزه وقدرته على الإبداع؟
دعونا نتصور سيناريو آخر، لو اقتنع العامل فعلا بنصيحة الحكيم وارتاح قليلا ثم مر عليه صاحب العمل ورآه مرتاحا بل نائما، كيف سيكون رأيه فيه؟ هل سيعتبره كسولا وخاملا ومضيعا للأمانة؟ أم سيعتبرها استراحة محارب وسيحاسبه على نتيجة العمل النهائية وليس على طريقته في إدارة وقته للوصول إلى هذه النتيجة؟
هذه الفكرة المحورية في الفاعلية (والتي جعلها ستيفين كوفي) هي العادة السابعة من عاداته للأشخاص الأكثر فاعلية تعتبر من أكثر الموضوعات التي يساء فهمها من مجموعتين مهمتين. المجموعة الأولى هي مجموعة المتفانين العاملين المكافحين الذين لديهم حس عال ويقظ للمسؤولية والذين يطاردون أهدافهم ويلاحقون منجزاتهم، بعض هؤلاء الراحة عندهم هزيمة والإجازة عيب والاسترخاء كسل وتجديد النشاط تخاذل عن الهدف، لا يدركون أهمية التجدد في استمرارية الإنجاز والإنتاج، ينسون أن الذي يتوقف في الطريق للتزود بالوقود لا يكون كسولا متخاذلا وإنما يكون ذكيا مخططا، لأنه لو استمر دون وقود فسيتوقف ولن يحقق شيئا. أما النوع الثاني فهم البطالون الكسالى الخاملون، الذين يجدون في هذا الكلام تسويغا لعجزهم وكسلهم، هم في راحة مستمرة وفي إجازة دائمة، الإجازة عندهم ليست جزءا من الخطة بل هي الخطة نفسها، والراحة لديهم ليست محطة لمواصلة المشوار واستعادة الهمة بل هي المحطة النهائية، تحول عنهم هذا المعنى من وسيلة إلى غاية، يتهربون من كل مسؤولين بحجة التعب، ويتخلصون من كل عمل إضافي بذريعة الإرهاق. هؤلاء يعرفون بدقة حساب الإجازات في دوائرهم الحكومية، ويجفظون أنظمة الإجازات ويحلبونها حلبا حتى آخر قطرة. ثم هم في أثناء عملهم في إجازة أيضا لأن إنجازهم هزيل وفاعليتهم ضئيلة.
كما غطت على أذهان كثير منا ضبابية مفاهيم العمل والإنجاز كذلك اختلطت عند بعضنا مفاهيم الترويح والإجازة، ما بين إفراط وتفريط.
إن الذي لا يعرف كيف يرتاح، لن يستمر في السباق طويلا، والذي لا يعرف كيف يجدد قواه، يندر أن تجده مع الفائزين عند خط النهاية.