أم رقيبة .. وأمهات الفقراء!
مع أن البعض منا لا يعرف الجمل إلا لحماً بين رقائق السبموسة أو كبدة على مائدة الإفطار إلا أن الكثير من هؤلاء البعض يرحبون بالاهتمام به كحيوان ارتبط بتاريخنا وثقافتنا. لكني أجزم بأن هؤلاء البعض ومعهم الكثير ممن اقترنت حياتهم بالجمل لا يرحبون بالاهتمام المبالغ فيه الذي يمارسه بعض أفراد مجتمعنا وللأسف حتى أصبحت أسعاره تناطح الملايين وتزاهي قيمة السيارات الفارهة والبيوت الواسعة. إنها معادلة غريبة أن يزايد البعض في أسعار بهيمة في الوقت الذي تزداد فيه أرقام البشر الباحثين عن حياة كريمة.
في الأمس القريب تناقلت بعض وسائل الإعلام خبراً مفاده شراء أحد التجار قطيعاً من الإبل بـ 60 مليون ريال! وما لم ينقله الخبر هو كيف هي مشاعر هؤلاء الآباء والأمهات الذين نخر في بيوتهم الفقر فلم يجدوا ما يصرفونه على أولادهم وهم يسمعون ما يصرفه تجار الإبل على مزاينها. وما لم ينقله الخبر مشاعر أولئك العاطلين عن العمل والباحثين عن وظيفة مناسبة وقد احتشد منهم قبل أشهر قليلة أكثر من ستة آلاف شخص على 30 وظيفة فقط وهم يسمعون بهذه الصفقات المبالغ فيها، وبالتأكيد لم ينقل الخبر مشاعر بعض العاملين من جنسيات مختلفة وهم ينتظرون شهراً كاملاً راتباً لا يتجاوز 300 ريال.
لقد أحسن المنظمون لاحتفالية أم رقيبة لمزاين الإبل بتوزيع آلاف الصدقات على الفقراء المحيطين بالمنطقة الجعرافية لمكان الاحتفالية فلعل هذا يخفف من معاناتهم وهم يرون الملايين من حولهم تمشي على أربع. إلا أن أولئك الفقراء الذين يرسل الأثير إليهم أخبار صفقات الإبل المملينة والأرقام الكبيرة التي تذهب بكل سخاء قيمة لجمل أو عربوناً لناقة سوف تظل معاناتهم ملفاً مفتوحاً يحتوي على كثير من علامات التعجب والاستغراب.
لكل شخص حرية التصرف في ماله وهي مسألة شخصية يحاسب عنها الله - سبحانه وتعالى -، لكننا نقول لتجار الإبل المبالغين في صفقاتها على هامش أم رقيبة رفقاً بمشاعر أمهات الفقراء اللاتي لا يعرفن الجمل إلا من خلال أبنائهن موضوعاً في مادة التعبير عن الصبر والتحمل.
إن الذي قال ''أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت'' هو سبحانه وتعالى الذي قال'' إنه لا يحب المسرفين''.