كيف ندرس طلاب كلية «القانون»
منذ زمن، يدور بين المهتمين بتدريس الأنظمة سواء في كلية القانون ''الأنظمة'' في جامعة الملك سعود، أو خارجها، نقاش طويل حول موضوع التدريب. أعتقد بضرورة أن يناقشنا المختصون فيه، لأن مستقبل الطلاب يهم المجتمع، كما يهم الطلاب ويهم الكلية والجامعة، وليست ملكا خاصا يبت في شئونها بمعزل عن المستهدف من وجودها. سأطرح عليكم وجهتي نظر تتعاركان في موضوع تدريب الطلاب مع العلم أن كلتا الوجهتين متفقة على أهمية التدريب، ولكن تختلفان حول الاستعانة بكفاءات بشرية من خارج الكلية، كالقضاة وكتاب العدل والمحامين والمستشارين القانونيين والمحققين لتدريس مناهج أو بعض المناهج المطروحة في الكلية.
وجهة النظر الأولى تقول إن الأستاذ هو أهم عنصر في التدريب، وبالتالي فلا حاجة للاستعانة بكفاءات بشرية من خارج حدود الكلية. تقول هذه النظرة إن الأستاذ هو المعلم الأول لكل هؤلاء الخريجين الموجودين في الحقل القانوني وكل هؤلاء يتسنمون مناصب تنفيذية أو تشريعية متصلة بالعلوم التي تشربوها في الكلية. وبالتالي، فالتدريب قائم بشكل أو بآخر في الكلية لأن من سيستقطب للتدريب في الكلية سبق أن تعلم فيها، وعليه فبالبذور الأولية متوافرة في الكلية ولا حاجة لتعقيد المسائل بإدخال جوانب تدريبية من كوادر بشرية سبق أن تعلمت في رحاب الكلية. يتفرع من هذه النظرة رأي آخر يقول إن التدريب رغم أهميته لكن لن يكون عمليا الاستعانة بآخرين لعدم القدرة على ضبط محتوى ماذا سيقدم للطلاب؛ فالأستاذ هو المعني والمشرف والمسئول الأول عن ماذا يقدم للطلاب، وتواجد عنصر آخر في المنهج سيعقد المسألة ولا يمكن ضمان جودة ووجهة المحتوى، بل قد يكون معاكسا لما تم تقديمه من قبل أستاذ المادة، وبالتالي فالخطورة أو الخسائر المحتملة أعظم من الفوائد المرجوة من الاستعانة بهؤلاء. علاوة على هذا، لا يمكن ضمان وجود كفاءات بشرية مستعدة لبذل وقت محدد في السنة لتدريس الطلاب، وعدم وضوح من سيكون المسئول عن هذه المهمة، وهو ما يجعل منهجية التدريس مضطربة وغير صالحة للتطبيق الأكاديمي، مما يجعل من خيار الاستعانة بكفاءات بشرية خارجية أمرا غير عملي، حتى لو سلمنا بأنه مطلوب.
الوجهة المقابلة تقول إن الأستاذ أكاديمي بحت، متمكن في النظريات ولكن ضعيف في الناحية العملية وهذا ليس قصورا منه في أغلب الأحوال، إذ هو نتاج خلل في النظام الذي يمنع عضو هيئة التدريس من ممارسة العمل الخاص ومعرفة الواقع العملي المملوء بالتطبيقات الحية للنظريات التي تعلمها ويعلمها في قاعات التدريس. علاوة على هذا، وبما أن نشر القضايا من القضايا ''النووية العظيمة السرية في البلد'' التي لا يمكن الاطلاع عليها إلا بشق الأنفس أو بالواسطة أو بالحظ، فالأستاذ بالتالي مغيب أو غائب عما يجري على الساحة العملية سواء بشكل شخصي ممارس أو بشكل إطلاعي على نتاج الجهاز القضائي. هذا النقص في مؤهلات الأستاذ لا بد أن ينعكس على الطالب، فيتخرج الطالب ملما بالنواحي النظرية ولكنه عاجز عن معرفة الواقع العملي فهو لا يعرف كيف يتم تطبيق تلك النظريات والرؤى التي تعلمها من أستاذه، وبالتالي فهو بحاجة إلى تدريب آخر عملي عند التحاقه بأي وظيفة يلتحق لها، مما يعني أن هناك مدة زمنية إضافية وتكلفة مالية إضافية – علاوة على سنوات دراسته - على رب العمل الذي سيقوم بتوظيفه وهو ما يعني إضعاف فرص العمل الممكنة لخريج هذه الكلية. ويجيبون على اعتراضات وجهة النظر المعارضة، بأن جل اعتراضاتهم تخص أمورا إجرائية بحتة يمكن معالجتها بالوفرة المالية وبالوجود المؤسسي لإدارة معنية بهذه الجوانب التدريبية.
باختصار هاتان هما وجهتا النظر اللتان تتصارعان في موضوع تدريب الطلاب، كلتاهما مؤمنة جدا بأهمية التدريب العملي للطلاب ولكن تختلفان في طريقة التنفيذ. ظني أن المجتمع يجب أن يكون له صوت صريح في تقرير الوجهة المثلي لأنه المعني الأول بما يحدث في قاعات التدريس فمن يتخرج في الكلية تتلقفه عروق المجتمع الاقتصادية بأشكال مختلفة، فإن كان الغرس مثمرا استفاد المجتمع وإن كان معيبا عانى المجتمع. ولهذا، فإن الانفراد بتقرير الأمور التي تهم المجتمع يجب أن يعاد النظر فيه وتسمع الأصوات ذات العلاقة.