البيئة والمناخ والاحتباس الحراري.. هل هي بيد الإنسان؟
إذا كان الاحتباس الحراري, وهو ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة في بيئة ما, نتيجة تغير سيلان الطاقة الحرارية, فإن ارتفاع معدلات الحرارة لبضع درجات فقط قد يؤدي إلى كوارث مخيفة, ويمكن لهذا الارتفاع الحراري إحداث تغييرات هائلة في الظروف الحياتية للإنسان, لأن التغيرات المناخية تؤذي البشر جميعا, وقد تعني هذه التغيرات انبعاث خطر الأمراض المعدية التي تنتشر بسرعة أكبر في ظروف الارتفاع الحراري أو الأجواء الرطبة كالجو الذي نعيشه, وتعد مشكلة تلوث الهواء إحدى هذه المشكلات وهي ذات صلة بالتغيرات المناخية وبالتالي الاحتباس الحراري، حيث إن الغازات السامة المنبعثة ولو كانت من التدخين ستؤدي إلى سرطانات وأمراض مختلفة, فهل للإنسان يد في تغير الظروف البيئية والمناخية أم هي خارجة عن إرادته؟ الأنشطة التي هي على غرار تكرير النفط وتوليد الطاقة وانبعاثات السيارات تتسبب بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري في الكرة الأرضية, ويجب أن تستوعب بصورة أكبر لتظهر أن للإنسان يدا فيما يدور حوله, لكن أخشى أن تكون تلك اليد مغلولة وغير فاعلة, ادعاءات بعض العلماء بأنهم حرفوا استخدام بعض البيانات حول ارتفاع درجة حرارة الأرض لتدعيم حججهم بأنها ناجمة عن عمل الإنسان, وأن يد الإنسان هي التي تحرك هذا الموضوع وليست التغيرات المناخية الكونية, فهل يتحمل بنو البشر فعلا هذه المشكلة؟ قمة كوبنهاجن التي أضحت مدعوة إلى إلزام الدول الغنية بالتقليل من نسبة انبعاث الغازات لديها بنسبة 40 في المائة على الأقل خلال السنوات العشر المقبلة والتبرع بالأموال اللازمة لمساعدة الدول الفقيرة والبدء في عملية إزالة الكربون من تجهيزات الطاقة, ذلك أن البلدان النامية وهي التي عانت الفقر والتخلف طوال العقود الماضية، يجب ألا تدفع ثمنا أكبر لهذه المشكلة, وذلك باعتبارها الأقل مسؤولية عن انبعاثات الغازات الدفينة, وإن بقيت الأكثر تضررا من ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي, لذلك يجب ألا تستغل الدول المسيطرة على اقتصادات العالم هذه النقطة لتسيير مصالحها, الاتحاد الأوروبي الذي نصب نفسه قائدا يجب أن يتحمل مسؤولية هذا الموقف ويدخل في معركة مع أنصار البيئة وإلزام مصنعي السيارات بخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري المنبعثة من سياراتهم بصورة جدية, وبعد أن اخترعت بعض الشركات جهازا يحول السيارة العادية من استهلاك بنزين فقط إلى استهلاك بنزين وكهرباء في الوقت نفسه, وسمعنا عن السيارة الكهربائية وهي تدار بالقدرة الكهربائية المأخوذة من البطارية وهي هادئة الصوت أي لا تجلب ضوضاء, وتحتاج إليها أكثر المناطق المزدحمة ولا ينتج عنها عوادم ملوثة, وسيؤدي استخدامها إلى تقليل تلوث الهواء ولا تستهلك المواد النفطية التي تتزايد ندرتها مع الأيام وبحث العالم عن بدائل لها, ثم سمعنا عن السيارة الخضراء باعتبارها صديقة للبيئة وهي عملية وصغيرة الحجم وغير مكلفة, توفر البنزين وتنظف البيئة وتلتزم بشروط وقوانين السلامة والصحة, في الهند وعد أحد المهندسين بالتعاون مع مؤسسة ''تاتا'' الهندية بأنه سيشرع في إنتاج سيارة تعمل بالهواء المضغوط ولا تنتج أية مواد تلوث البيئة, أما بالنسبة لبقية دول العالم فيقول إنه يأمل في إقناع مئات المستثمرين بإقامة مصانع خاصة بهم تقوم بإنتاج تلك السيارة من المواد المنتجة محليا بنسبة 80 في المائة لأن من شأن ذلك التوفير في استخدام الطاقة وخفض التلويث، وفي محيط مجتمعنا الخليجي بدأ في الإمارات العمل في تشييد ما وصف بأول مدينة في العالم بلا كربون ولا نفايات ستؤوي نحو 50 ألف شخص, وستكون مدينة دون سيارات, وتعتمد بشكل كامل على الطاقة المتجددة في بلد يعتبر سكانه من أكبر ملوثي العالم، حيث يأمل خبراء ونشطاء البيئة في أن تكون مثل هذه الأفكار الشجاعة محل اقتناص واقتباس لبقية البلدان, لكن المجتمع الخليجي الذي اكتنفه سلوك الترف والمظاهر ومضاره البيئية إلى جانب مضاره الشخصية, هل يمكن إقحامه في هذا الموضوع عبر الحديث عن انتهاء عهد نماذج السيارات الأمريكية الفارهة والمطالبة بسيارات بديلة وجادة وآمنة وسريعة, لكن الأهم من الاقتصاد والطاقة والبيئة التي أرادها المجتمع الخليجي أن تغدو شيئا هادئا ونظيفا, فهل سيقبل الخليجيون التضحية بسياراتهم الفارهة والتحول إلى سيارات صغيرة عملية من أجل سواد عيون نظافة البيئة؟ القضية هي قضية عرف اجتماعي ومسلك أخلاقي وهي قضية لا تختلف عن قضية الترفع عن أداء بعض الأعمال كالزراعة، وصيد الأسماك والأعمال اليدوية الأخرى, ونستغرب ممن يمارسون الرياضة ويقطعون المسافات الطويلة مشيا وهرولة لكنهم ليسوا على استعداد لقضاء مشاويرهم الخاصة مشيا على الأقدام, وإذا كانت وسائل المواصلات العامة منظمة ونظيفة ودقيقة، حيث يمكن الاعتماد عليها فإن استخدامها من قبل أصحاب السيارات الخاصة سيؤدي حتما للتخلص من مشكلات الوقوف والازدحام, ونلاحظ أن أغلب المواطنين في الدول الغربية يملكون سيارات خاصة لكنهم يستخدمون النقل العام دون حرج في تنقلاتهم اليومية وبذلك يقل الزحام والتلوث, فهل من الممكن تقليد هذا السلوك الغربي؟ أخطر ما في قضايا البيئة أنها تنبعث من عوامل بسيطة قد يستهين بها الكثيرون كازدحام السيارات أو ربما استعمال أكياس البلاستيك, البحرين التي كانت ضمن الدول المدرجة على الخريطة العالمية المتأثرة من ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي قد شاركت في المؤتمر الدولي بشأن التغير المناخي المنعقد حاليا في الدنمارك من أجل التوصل إلى اتفاقية للحد من الغازات المنبعثة المسببة للاحتباس الحراري, وعملت جمعية أصدقاء البيئة البحرينية منذ عام 2000 على نظافة البيئة من ضمنها حملة ضد المنتجات البلاستيكية التي نستخدمها بشكل يومي وإيضاح ضررها البالغ على صحة الكائنات الحية من إنسان وحيوان, كل هذه الإجراءات تؤكد أن للإنسان يدا في الموضوع لكن ربما يستغل المعارضون ذلك من أجل تحويلها إلى قضية سياسية, وإذا استطعنا أن نربط موضوع الاحتباس الحراري بالاختناق المروري فهل يجوز لنا أن نربطه جدلا بالنزاعات السياسية, فقد حذر خبراء في برنامج الأمم المتحدة لشؤون البيئة من احتمال أن يؤدي الاحتباس الحراري والتغير المناخي أيضا إلى نزاعات واضطرابات ومشاكسات جديدة وحروب يمكن أن تؤدي إلى نقص المحاصيل الزراعية ومخزون المواد الغذائية مع الارتفاع المستمر في أعداد السكان وضعف الحلول السياسية, وعلى الرغم من إنشاء الشوارع والجسور والأنفاق للحد من الازدحام المروري والبشري, تبين أن وجود الشوارع الفسيحة لم يكن حلا نهائيا خصوصا مع ازدياد النمو السكاني الخليجي الذي صاحب ارتفاع عدد وسائل النقل التي دخلت مدننا, ويمكننا تفهم الحاجة إلى حملات موسمية والتصدي لظاهرة الفوضى المرورية والتدفق الهائل للسيارات ومشاريع التوسعة التي تشهدها الشوارع, هذه الحملات ليست بديلا عن استراتيجية متكاملة ينبغي وضعها بسرعة لتدارك الوضع المتفاقم, لا شك إذن أن للمشكلة أبعادا أكبر تتصل بالهيكل التنظيمي للعواصم الخليجية والمدن المحيطة بها وبشوارعها, ولأنه في ظل غياب الاستراتيجية المتكاملة لا يبقى سوى المطالبة بإعداد الدراسات الجدية اللازمة من أجل الخروج بشكل جذري للأزمات البيئية ووضع الحلول لها, ختاما فإذا كان النمو الاقتصادي الذي شهده العالم جاء على حساب البيئة لأنه لم يأخذ في حساباته تلويث وتدمير البيئة واستنزاف الموارد, وعلى الرغم من أن أغلب دول العالم قد حققت اقتصادياتها معدلات نمو مرتفعة للناتج المحلي الإجمالي إلا أن ذلك لم يترتب عليه تحسن في مستوى الرفاه الحقيقي للسكان, وتبقى هنا يد الإنسان غير فاعلة, وبقي موضوع الاحتباس الحراري والتغير المناخي ترياقا علق عليهما الكثيرون جميع المشكلات, المعروف أنه في السابق وجدت قضايا الفقر والتخلف والمرض التي لازمت دول العالم الثالث وحدها وتركت العالم الغربي يتبجح بمستوى معيشي أفضل, فهل قذفت العدالة السماوية بقضايا مثل البيئة والاحتباس الحراري والتغير المناخي على ظهر كوكبنا تنال الجميع حتى يتساوى الأغنياء مع الفقراء لتبقى يد الله فوق أيديهم.