جائزة نوبل للسلام: الأعمال بالنيات
توزع منتقدو منح الرئيس الأمريكي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام لعام 2009 على ثلاث مجموعات متباينة الحجم والتوجه. المجموعة الأولى تتمثل في خصوم الرئيس السياسيين من الحزب الجمهوري واليمين الراديكالي الذين تحكم موقفهم عوامل سياسية وأيديولوجية، لا تقتصر على موقفهم من الرئيس أوباما فحسب، بل تمتد عند بعضهم إلى جائزة نوبل ومرتكزاتها. إذ يعتبر هؤلاء أن القائمين على هذه الجائزة ينتمون إلى اليسار الدولي والمروجين لنظام عالمي تعددي. حيث يتعارض هذا الطرح مع توجهات هؤلاء الذين يعتقدون أن على أمريكا أن تقود العالم كأكبر قوة عسكرية واقتصادية، ولا يثقون بالمنظمات والمعاهدات الدولية متعددة الأطراف أو يريدونها، حتى لا تقيد الإرادة الوطنية لأمريكا. أما المجموعة الثانية فتقع في الجهة المقابلة وتعارض منح الجائزة بحجة أنه لا يمكن اعتبار الرئيس أوباما رجل سلام في الوقت الذي يعتمد فيه على حل عسكري في أفغانستان وباكستان. فهؤلاء يريدون انسحابا عسكريا أمريكيا من أفغانستان أيضا، فضلا عن الانسحاب من العراق. إلا أنهم لا يقدمون بدائل عملية لما لا يحبذونه من سياسات، سوى ما تعنيه من انكفاء استراتيجي لدولة تعتبر الأقوى والأكثر تأثيرا في العالم.
وبغض النظر عن وجاهة رأيي هاتين المجموعتين، فإن مواقفهما تفتقر إلى الحد المطلوب من الواقعية في ضوء المعطيات الراهنة للجغرافيا السياسية والتوازنات العسكرية والاقتصادية للعالم.
أما المجموعة الثالثة، فيتسم موقفها بقدر معقول من الموضوعية يمكن تلخيصه. في أن الرئيس أوباما، بالرغم من مواقفه المحبذة للحوار بين الجماعات والأمم المتخاصمة التي عبر عنها في خطاب القسم في كانون الثاني (يناير) 2009 من هذا العام وفي خطاب القاهرة في حزيران (يونيو) الموجه إلى العالم الإسلامي، لم يحقق إنجازات مادية حتى يستحق معها شرف هذه الجائزة. بل يشير بعض هؤلاء إلى بوادر تباطؤ في تنفيذ ما سبق ووعد به. مثل وعده بإغلاق معسكر «غوانتانامو» قبل نهاية السنة الجارية، أو مساومته على بعض المبادئ التي أعلنها ودافع عنها خلال حملته الانتخابية وبعدها، مثل عدم إصراره على وقف الاستيطان الإسرائيلي تمهيدا لاستئناف عملية السلام الفلسطينية ــ الإسرائيلية.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس أوباما نفسه قد يعتبر من هذه المجموعة، حيث صرح عقب فوزه بالجائزة «بأنه لا يستحق أن يكون في معية الأشخاص المؤثرين الذين سبق وشرفتهم هذه الجائزة». لكنه أضاف «إنه عبر تاريخ جائزة نوبل للسلام، فإنها لم تمنح تكريما لإنجاز معين بل لتعطي زخما لقضايا معينة». وربما كان هذا الاعتبار الأخير، العامل الرئيس خلف موقف الأكثرية الساحقة المؤيدة والمرحبة بمنح الرئيس أوباما الجائزة، بالرغم من موقف اللجنة النرويجية لجائزة نوبل التي اعتدت عند منحه الجائزة بما أنجزه الرئيس أوباما، وليس وعده بالإنجاز، من خلال، «ما بذله من جهد لمعالجة حالة الانقسام بين الغرب والعالم الإسلامي، وتخفيض التوتر حول الدرع المضاد للصواريخ في أوروبا».
كما أن بعض هذه الأكثرية المؤيدة لمنح الجائزة تركز على أهمية النيات خلف الأعمال أو الإرادة الصادقة بمعزل عما إذا كانت هذه الإرادة أو النيات ستترجم أفعالا أم لا. ذلك لعدد من الأسباب أبرزها، أن الرئيس الأمريكي، وبالرغم من سلطاته الواسعة نسبيا، عليه أن ينجح في إدارة دفة النظام ككل بأجهزته ومؤسساته المتعددة وغير المتآلفة في كثير من الأحيان، ناهيك عن ضغوط مجموعات المصالح الخاصة. وبالتالي فإن منحه الجائزة هو بمثابة شد عضده في مواجهة العقبات وتشجيع له على تجاوزها والتغلب عليها. كما يشير البعض الآخر إلى أنه، حتى لو توافرت العوامل الموائمة لإقران النيات بالأفعال، فهذا أيضا قد لا يؤدي إلى النجاح في إحقاق العدالة والسلام في العالم إذا لم تستجب إرادة وسلوك المستفيدين مع هذا التوجه. ويسألون في هذا الصدد، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، كيف يمكن تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية مع وجود الانقسامات الحادة على الصعيدين الفلسطيني والعربي وغياب الإجماع على رؤية موحدة للحلول المرجوة؟
وقد تكون الحجة الأقوى لدى المؤيدين هي إشارتهم إلى أن عددا من الذين سبق وفازوا بجائزة نوبل للسلام نتيجة أعمالهم التي كان الاعتقاد في حينها بأنها ستسهم في تحقيق السلام، لم تكن كذلك. بل قد يكون بعضها أسهم لاحقا في زيادة حالة العنف وعدم الاستقرار. ويذكرون في هذا الصدد الجائزة التي تقاسمها الرئيس المصري أنور السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ميناحيم بيجين عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد الشهيرة في عام 1978 التي، وإن أدت إلى سلام بارد بين مصر وإسرائيل، فإنها لم تسهم في تحقيق السلام الشامل والعادل كما ساد الاعتقاد آنذاك. والشيء نفسه قد ينسحب على الجائزة التي تقاسمها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مع شمعون بيريز وإسحاق رابين في عام 1994، ولم تؤد إلى الحل المنشود. وكذلك الجائزة التي فاز بها الدكتور هنري كيسنجر (وزير الخارجية الأمريكي) ولي دوك تو (الرئيس الكوري الشمالي) لقيادتهم المفاوضات حول إنهاء الحرب الفيتنامية التي لم تؤد إلى نتيجة، حيث حسمت الحرب بعدها عسكريا. «إنما الأعمال بالنيات» كما يقول المثل الشائع. وقد يصح هذا كأساس، ليس للحكم على صواب قرار لجنة نوبل للسلام بمنحها الجائزة للرئيس أوباما فحسب، بل أيضا للحكم على مدى استحقاقها من قبل من سبق وفازوا بها.