التحليق خارج الجاذبية

هل تأملت يوما مركبة فضائية وهي تبدأ رحلة مكوكية في الفضاء؟
إنها لابد أن توضع على صاروخ كبير يقذف بها أولا خارج نطاق الجاذبية الأرضية ثم بعد ذلك يمكن أن تبدأ في التحكم في نفسها في الفضاء الخارجي. هل تذكر كمية الطاقة والحرارة والوقود والضوضاء التي يحتاج إليها إخراج مكوك فضائي صغير خارج المجال الجوي الأرضي؟
هذا حال الإنسان تماما عندما يتعامل مع العادات الجيدة والسيئة.
في مجال التدرب على العادات الجيدة أو التخلص من العادات السيئة فإن أصعب مرحلة هي مرحلة البدء والاستمرار (تحول العمل من ممارسة إلى عادة) وبعد أن يصبح الشيء عادة حقيقية وطبيعية ثانية يكون فعل الأمر سهلا جدا بل يصبح عدم فعله هو الصعب وهو الذي يحتاج إلى طاقة وجهد.
أدعوك الآن إلى أن تتفحص أسبوعا عاديا من حياتك. سجل فيه جميع العادات الإيجابية والسلبية التي تقوم بها في كل نواحي حياتك، في عبادتك، في تعاملك مع أسرتك ومع أصدقائك، في طريقة أكلك ولبسك وكلامكك ومشيتك، في طريقة تنظيمك لوقتك، في مضيعات الوقت عندك. سجل العادات الإيجابية والسلبية في ورقة ثم صنفها حسب الأهمية. ما هي العادات السلبية الثلاث التي إذا استطعت التخلص منها فإنك توقن أن حياتك ستتغير إلى الأفضل؟ وما هي العادات الإيجابية الثلاث التي لا تمارسها الآن والتي تعرف أنك إن أدخلتها في حياتك فإنها ستدفعك إلى الأمام؟
الآن ضع العادات الثلاث السيئة التي تريد تغييرها والعادات الثلاث الإيجابية التي تريد تبنيها، وضع أمام كل واحدة منها الآثار والنتائج الإيجابية أو السلبية التي ستتحقق في حياتك بعد سنة من الإلتزام التام بترك أو فعل هذه العادات. اسرح بذهنك، ودع خيالك يتأمل في الآثار الإيجابية الممكنة لهذا العمل وسجلها بشكل مختصر أمام كل عادة. بعد أن تحس أنك أخصيت كل عصارة خيالك وفكرك في النتائج الإيجابية أو السلبية للعادة إبدا الآن بوضع خطة عملية للتخلص من العادات السلبية أو التعود على العادات الإيجابية. إبدا من اليوم بعمل شيء ما تجاه هذه الهدف، ابدأ بشكل مرحلي وبخطة تدريجية، وتذكر أنك ستحتاج إلى طاقة كبيرة جدا في البداية خاصة في الأشهر الثلاثة الأول ولكن تذكر دائما الأثار الإيجابية واجعلها هي حافزك كلما ضعفت أو كلما جذبتك عادتك القديمة. لا تستسلم أبدا، وجاهد وصابر، وإن ضعفت مرة أو مرتين، فلا تستسلمن أبدا من جديد، ادفع بجهد وحاول بعزيمة، واصبر على آلام التغيير ونذكر ثماره.
ومن المهم ألا تنسى أن تهيئ الجو العام الذي سيساعدك على الاستمرار في البرنامج ، مثل أن تبعد المؤثرات التي تجذبك للعادات السيئة فليس من المعقول أن تحاول أن تتجنب الأكلات الدسمة مثلا وأنت تجلس امامها متحسرا يوميا ، أبعدها عن قائمة طعامك، ومن المفيد أن تستعين بمن حولك لمساعدتك وأن توفر كل عوامل التثبيت والدعم (بعض العادات قد يحتاج الإنسان إلى مساعدة طبية أو نفسية للتخلص منها مثل التدخين) ولا تنس قبل هذا وذلك أن تستعين بالله الذي بيده مفتاح قلبك وجماع أمرك.
تخيل لو أنك استطعت أن تتخلص من عادة واحدة سيئة وتتبنى عادة واحدة جيدة كل ستة أشهر في حياتك! أنا أجزم لك أن حياتك ستتغير كثيرا وستنطلق إلى الأمام كثيرا وستجد أنك إنسان آخر بعد ثلاث سنوات بشرط أن تلتزم وتستمر بعزم وهمة.
ولكن، كيف أعرف العادات الجيدة؟
إن من أهم مصادر العادات الجيدة دراسة سير الناجحين والمؤثرين والاستفادة من عاداتهم وطريقة حياتهم. اقرأ عنهم، شاهد فيلما عن حياتهم، اقرأ أعمالهم وآثارهم، تحدث مع تلاميذهم ومحبيهم، قابلهم إن كانوا أحياء وناقشهم وانظر كيف يعيشون حياتهم، وكما قال الفيلسوف جيم رون : «إنهم يتركون آثارا على عبقريتهم دائما».
سيبادر البعض بالقول: يا أخي هذا الكلام كل الناس تعرفه وهو كلام بسيط ولا يمكن أن يكون له ذلك التأثير الذي تصفه! ولا ينتهي عجبي من عبارة كهذه، كل الناس تعرفه؟ ربما، ولكن خبراء تطوير الذات وعلماء النفس عندما تحدثوا عن هذه العادات لم يسموها الأفكار أو المباديء بل سموها: العادات. الاقتناع بالجدوى والقبول المعرفي لا يصنع نجاحا (وإن كان هو الخطوة الأولى) لا بد من عمل تغيير ما، وأخذ الخطوة الأولى، وعلى الرغم من محورية الخطوة الأولى وأهميتها، فإنها لا تكفي طبعا ، فكم من شخص بدأ برنامجا رياضيا شهرا أو نحوه ثم ترك، وكم من شخص بدأ في القراءة الأسبوعية ثم مل، حتى ترى النتائج الحقيقية لابد أن تنتقل من مرحلة القناعة الفكرية إلى مرحلة العمل في الواقع، ثم من مرحلة العمل في الواقع إلى مرحلة العمل المستمر، الذي يتحول إلى عادة، هنا فقط ، يحق لك أن تستمتع بالثمار. كما قال أنتوني روبنز مرارا: «هناك شيء واحد دائما ما يفرق بين الناجحين والفاشلين: الناجحون دائما يأخذون خطوات عملية في أرض الواقع».
وأعوذ بك من علم لا ينفع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي