الــ 10% ما المغزى منها؟
نظامنا الاقتصادي مبني على حرية السوق، ما لم يتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية، فعلى أي أساس أدخلت قاعدة النسبة العليا أو الدنيا في تحرك أسعار الأسهم في سوق المال؟ أظنها سياسة تستدعي المراجعة ولا يبدو التشبث بها مسببا.
فأولا، كل المتداولين في السوق عقلاء، يتمتعون بالأهلية القانونية التي تخولهم التعامل بالبيع والشراء. وثانيا، أنظمة هيئة سوق المال تكفل حق الجميع في معرفة المعلومات الجوهرية، وتعاقب على الاتجار بناء على المعلومات الداخلية. أن توجد هفوات وأن يفلت من قبضة العدالة البعض فهو ليس مبررا لاستمرار اعوجاج في مكان آخر، بل هو مبرر لضبط الخلل وإصلاح السوق. أما استمرار العمل بالنسبة المقيدة، لأن هناك أشياء مختلة فلا يمكن اعتباره سببا جوهريا يبرر الاستمرار في وجود نسبة التذبذب. استغلالية من يتبوأ مركزاً وظيفيا في مفصل حساس يخوله الحصول على المعلومة المؤثرة بشكل غير مشروع، ليستغلها على حساب البقية من المستثمرين يحتاج إلى معالجة حازمة وقوية، ولكن ليس عبر تقييد نسبة ارتفاع وانخفاض السهم - أي عبر تقييد الشركة وملاكها - بل عبر التجريم لمثل هذه التصرفات والرقابة الشديدة.
أضف إلى كل هذا أن السبب الوحيد الممكن هضمه للتقييد هو أن نسبة التذبذب قد تخفف أو تمنع من انهيار السوق، وأنها ضرورية لضبط تحركات السوق، ولكنها فكرة يبدو أنها لم تنجح في مواجهة الانهيارات المتلاحقة التي مرت على السوق، إلا إن كان ما حدث أمرا يسيرا، مقارنة بما كان من الممكن أن يحدث ـ وهذا رأي أظنه مبالغ فيه، فمن المعروف أن وجود النسبة لم يمنع من الانهيار لدينا، بل يحدث أن تفتح السوق دون بيع أو شراء على غالبية الأسهم المدرجة.
وحتى لا يكون الحديث مجرد استعراض لمساوئ الوضع الراهن، أنتقل معكم إلى الفوائد الممكنة لو فتحنا نسبة التذبذب.
فتح نسبة التذبذب يوفر آلية رائعة لمعاقبة أو مكافأة إدارة الشركة في وقت متناسب كفيل بألا يمحو النسيان من ذاكرة المتداولين الحدث المهم، فمعروف أن الشركة وإدارة الشركة تدار من قبل موظفين يهمهم في نهاية المطاف أن يؤمنوا مصدرا معيشيا محترما، وهذا حافز يفترض أنه يشعل الهمم في الإدارة والموظفين لمنعها من أن تهوي إلى القاع، لأن هذا قد يؤدي بها إلى أن تصل إلى سعر يمكن شركة أخرى - أو مجموعة مساهمين ـ أن تشتريها قهرا وعنوة، وبالتالي ارتفاع احتمالية طرد الإدارة وتغيير نمطية العمل. هذا هو الجانب العقابي في الموضوع - فتح النسبة، أيضا، يكافئ الشركة المتميزة بارتفاع أرباحها بأن تضمن إدارتها استمرارهم في وظائفهم وارتفاع مزاياهم المالية، بل ورغبة الغير في استقطابهم، فما المانع لشركة من الشركات إن أعلنت عن اكتشاف أو اختراع جديد أو ربحية استثنائية من أن تجازى على هذا الحدث بارتفاع كبير في قيمتها السوقية؟ بل إن فتح النسب ورفع القيمة السوقية للشركة قد يسرع من عملية الإفصاح بدلا من التكتم على أي معلومة جوهرية، لأن ردة الفعل في مصلحة موظفي الشركة وإدارتها؛ بل حتى في مصلحة كبار ملاكها الذين يهمهم تعظيم ثروتهم بالإفصاح عن المتغيرات الجوهرية المؤثرة في محافظهم بشكل آني. بينما 10 في المائة قد لا تكون بحد ذاتها كافية، ما قد يؤدي إلى ممارسات مضللة لحدوث ارتفاع تدريجي يتواءم مع الحدث المهم. كما أن فتح النسبة هو الإجراء العادل ليتناغم مع أرباح الشركة؛ فإذا كان العرف أن مكرر أرباح شركة في القطاع الصناعي هو ''8'' مثلا، فمن الظلم لهذه الشركة أن تعلن عن أرباح مؤثرة في هذا المكرر الربحي دون أن يكون لقيمتها فرصة لتتعادل سوقيا في الوقت ذاته؛ نعم قد لا يبيع ملاكها انتظارا للسعر المناسب، عرفا مع بقية شركات ذات القطاع، وهذا مرة أخرى مضيعة للوقت غير مبررة.
وأضف إلى هذا، أن الأسواق العالمية لم تعان من فتح النسب؛ فانهيار شركة قد يؤثر في شركة أخرى تتناغم خطورة استثماراتها معها، ولكن ليس بالضرورة أن يهوي بالمؤشر بكامله، بل حتى الانهيارات الشاملة حدثت وانتهت ولم تستدع إدخال فكرة التقييد في أشهر الأسواق العالمية. انهيار 1978، الإثنين الأسود وغيره من الأيام السود في السوق الأمريكية، حدث في يوم واحد وانتهى الموضوع. في اليوم الثاني أو الثالث لملم المستثمرون أوراقهم المبعثرة، وحوائجهم المتناثرة، ومنهم من فزع إلى السندات الحكومية، ومنهم إلى العقار ومنهم إلى ''مخداتهم''، ومنهم إلى السوق مرة أخرى.
لدينا في المقابل، تبقى السوق تنزف أسابيع، حتى يبدأ الارتداد ورحلة العودة، أي أننا أخذنا ثلاثة أسابيع حتى بدأت العودة، وهذا فيه هدر للوقت ـ أي كفاءة متدنية ـ غير مبرر, فقد كان بالإمكان أن تبدأ رحلة العودة في اليوم الثاني أو الثالث - ألم يوص الرسول بإحسان الذبح بدلا من تضييع الوقت وتشتيت الألم مع أن النتيجة النهائية واحدة!
أظن - وأتمنى أن أكون مخطئا - أن فتح النسبة كفيل بضرب المضاربات في مقتل، فستنتهي مغامرات العرض الكثيف للأسهم على النسبة، أو الطلب الهائل على النسبة، كل تلك المهاترات ستنتهي. قد تخرج لنا ألاعيب أخرى، لا أدري ولكن ما أراه أن النسبة لم تخدم الهدف الذي من أجله وضعت، فلم تمنع انهيارا ولم تصحح انحرافا ولم تق من الأزمات، فلماذا الإصرار عليها؟ مع هذا، قد تكون هناك اعتبارات أخرى أجهل وزنها.