الثروة السمكية .. رافد حيوي للاقتصاد الخليجي
بادئ ذي بدئ أود أن أؤكد أن مشكلات الثروة السمكية في الخليج هي جديدة وقديمة بمعنى أنها لم تحلّ منذ فترة طويلةً ومازلنا نعاني مشكلاتها, وحيث تتمثل الأهمية الاقتصادية لهذا القطاع كونه يوفر عائدا اقتصاديا جيدا ويسهم في توفير مصادر الغذاء للمواطنين, إضافة إلى أنه يسهم في توفير العملات الأجنبية للبلدان الخليجية من خلال تصدير الأسماك ذات الجودة إلى عدد من الأسواق العالمية ليبرز اسمها كمنتج ومصدر ذي سمعة جيدة في هذا المجال الغذائي المهم, وفي إطار خطة دعم البحار والنواخذة يجب أن يندفع الشباب الخليجي بصورة أكبر في دخول هذا المجال دون ترفع مع توفير التسهيلات والإغراءات المادية اللازمة لهم حتى لا يمدوا أعينهم إلى مجالات أخرى, وفي حين كان الناس يعتمدون على الثروة السمكية المحلية في الأربعينيات والخمسينيات بشكل كامل ويكون الصيد بشكل بسيط وعفوي, بينما في الوقت الحاضر توجب رسم سياسات طويلة المدى للتعامل مع الأسواق الداخلية لتلبية حاجات المواطنين والخارجية في مجال تصدير الأسماك بغرض تنمية دور قطاع الإنتاج السمكي في تكوين الدخل القومي, ما يتطلب زيادة قدرة القطاع السمكي على خلق مزيد من فرص العمل المنتج وزيادة القدرة التصديرية والتنافسية للأسماك الخليجية وتحسين أوضاع الاستثمار في هذا القطاع الإنتاجي الحيوي الذي يوفر إنتاجا للغذاء على مستوى تجاري ويوفر أيضاً إمكانات ترفيهية, وبعد أن أثارت موجة ارتفاع أسعار الأسماك في الخليج مخاوف كبيرة من أن تستمر الأسعار في الارتفاع لتصل إلى أرقام خيالية, خصوصاً مع الشكوى التي أطلقها الصيادون من قلة الأسماك وأنها في تناقص مستمر ما يهدد بكارثة حقيقية ربما تصيب الثروة السمكية في الخليج. ويشير التقرير العربي الاقتصادي الموحد الصادر من جامعة الدول العربية إلى أن نسبة التدهور في حوض الخليج العربي, الذي يعاني أكبر نسبة للتلوث في العالم, وهذا التلوث شكل عاملاً مهماًً في تأثيره في نمو الأسماك والبيئات الموجودة, كما أن تصدير الأسماك يجب أن يخضع لتشريعات واضحة وصريحة تنص على أن تصدير الفائض عن حاجة السوق الداخلية وتصدير بعض أنواع الأسماك التي لا يوجد لها رواج كبير في السوق الداخلية يجعل الهدف الأساسي من السماح بتصدير الأسماك هو المحافظة على استقرار أسعار الأسماك والحيلولة دون تدني الأسعار إلى مستويات تضر بمصلحة الصيادين ولا ارتفاعها حتى تضر المستهلكين خاصة عند زيادة المعروض أو قلته في مواسم الصيد المختلفة, وحيث إن الأسعار تتحكم فيها قاعدة العرض والطلب كأي منتج آخر فإنه من الضروري مراقبة كميات الأسماك المعروضة في السوق .. فهل ما زلنا نعاني غياب المعايير؟
في السعودية شهد هذا القطاع اهتماما متزايدا خلال السنوات الأخيرة, وأهم ما ميز الشواطئ السعودية دفئها الذي ساعد على توالد وتكاثر الثروة السمكية وسمح بإضافة نشاط الاستزراع السمكي لدعم نشاط الصيد البحري التقليدي, وفي الكويت ما زالت تعد نسبة مساهمة الثروة السمكية في الاقتصاد الوطني صغيرة مقارنة بصناعة النفط, وعلى الرغم من ضآلة عدد العاملين الكويتيين إلاأن هذه الصناعة ما زالت توفر فرصاً كبيرة للاستثمار أمام القطاع الخاص, وفي البحرين ـ وأعتقد أن هذا ينسحب إلى حد كبير على بقية الدول الخليجية حيث التقارب البيئي ـ تشير الدراسات إلى أن الثروة السمكية فيها تتعرض لاستنزاف جائر ما نتج عنه نقص في المخزون السمكي, لأن عمليات الردم والدفان في البحر الناتجة عن الطفرة العمرانية وما صاحبتها من عمليات شفط الرمال من قاع البحر ما زالت تشكل كارثة بيئية ستؤدي في نهاية الأمر إلى انقراض كثير من أنواع الأسماك والأحياء البحرية, على أن استمرار عمليات الدفان هذه قد تدفعنا إلى القول إنها ستؤدي إلى خطر يحدق بالثروة السمكية وربما ينهيها خلال سنوات معدودة لأنّ معظم الكميات التي يتم اصطيادها من الأسماك حالياً هي من مناطق غير بحرينية أو خارج المياه الإقليمية، فازدياد النقص في المحصول دفع الصيادين إلى التحوُّل من صيد الأسماك الزعنفية الجيدة إلى الأنواع الرديئة بسبب عدم وجود هذه الأسماك, على الرغم من جهود إدارات الثروة السمكية والموارد البحرية الخليجية, لكن كيف نسمح بمواصلة الصيد الكبير في ظل وجود هذا الشح في المخزون السمكي لنواجه بعد ذلك مشكلة أكبر تتمثل في الاستنزاف الكبير للمخزون السمكي؟ الملاحظ أن الثروة السمكية لا تنمو بشكل جيد لدينا إنما هي مستقرة في معدلاتها ويمكن إرجاع ارتفاع معدل الإنتاج خلال السنوات الأخيرة إلى سلوك منحى آخر يأخذه الطلب بعد أن وجد عدد أكبر من المقيمين الأجانب في المنطقة, ما جعل الصيادين يتجهون إلى صيد قناديل البحر والقباقب التي لم تكن مرغوبة في السابق ورفع حجم الكميات المنتجة فذلك يعني أن أكثر الإنتاج السمكي يجري تصديره. حقل الثروة السمكية حقل مهم يجب الاهتمام به أكثر عن طريق إنشاء المعاهد المتخصصة لإعداد الكوادر الخليجية المدربة على الصيد بأدوات حديثة حيث توجد اقتصادات الثروة السمكية المختلفة كالاستزراع السمكي الذي هو إحدى دعائم الاقتصاد وهو من أكبر المشاريع الاستثمارية ربحية ولكن ينقصه الخبرة العملية, ولذلك نطمح أيضا في تكوين المزارع السمكية وإداراتها بل التخطيط لهذه العملية الإنتاجية بحيث تحصل على أعلى عائد ممكن وذلك بوضع دراسات جدوى للمزارع والمفرخات السمكية وتقديم المشورة العلمية للمستزرع وتجهيز المزارع السمكية بالمعدات اللازمة لتشغيلها, وحيث لا يوجد الاهتمام الكافي من قبل المستثمرين لمثل هذا القطاع, لكن حرصا على تنظيم أنشطة المزارع السمكية مستقبلا يجب إصدار تشريعات جديدة بشأن المزارع السمكية تتضمن شروط إقامة المزارع وشروط تراخيصها وخلق خطط ومشاريع متميزة للحفاظ على الثروة السمكية والمخزون الاستراتيجي الخليجي. هذه القوانين والتشريعات يجب أن تضمن حماية المخزون السمكي من الصيد الجائر والاستنزاف لأن المحميات البحرية يمنع فيها الصيد لتمكين الأسماك من التكاثر فيها وإمداد هذا المخزون بما يحتاج إليه من صغار الأسماك, إلى جانب السعي إلى تحسين جودة الأسماك المتداولة في الأسواق لضمان السلامة الصحية للأغذية السمكية وتمكين المنتج السمكي المحلي من الحصول على قيمة اقتصادية أفضل من خلال الرفع من مستوى جودة الثروة السمكية, وذلك عن طريق وضع خطة وطنية لكل دولة على حدة للمصايد السمكية التي تتضمن تقييم حجم المخزون السمكي القابل للاستغلال دون استنزاف للمخزون وحجم أسطول الصيد المسموح له بالعمل في مناطق الصيد وعدة الصيد المسموح بها لكل وحدة صيد ومواسمه والحظر حسب أنواع الأسماك ومواسم تكاثرها من أجل التمكن من دعم المخزون السمكي من خلال إطلاق كميات من صغار الأسماك ويرقاتها المستزرعة في مشروع الاستزراع السمكي حيث يتم إطلاق آلاف الصغار من أسماك الشعم مثلا ويرقاتها المستزرعة في مشروع الاستزراع السمكي. كما أننا لا ننسى نقطة مهمة وهو الفحص الطبي, حيث بات من الضروري تجهيز فريق مختص من اللجان الصحية لجعل أسواق بيع الأسماك منظمة بمعايير صحية عالية الجودة, فأهمية السوق تنبع من كونها تمثل ركيزة سياحية قبل أن تكون مكانا للبيع والشراء, فهذا الأمر المتعلق بتطوير الأسواق وجعلها أسواقا منظمة بمعايير صحية عالية الجودة ويدخل ضمن قضية الحفاظ على الصحة العامة أيضا. ختاما, فإن الدول الخليجية لها تاريخها المشهود في هذا المجال وتتقارب كثيرا في ظروفها البحرية, فالثروة السمكية لا شك أنها رافد مهم من روافد الاقتصاد الخليجي تجب صيانته وإعطاؤه حجمه الذي يستحقه.