التنمية وثقافة الخوف أو التخويف
أن تخاف الله - سبحانه وتعالى - وتتجنب المعاصي وما يخالف توجيهاته فهذا أمر واجب, أن تخاف الأماكن المرتفعة فهذا أمر مقبول, ولكن أن تخاف بكرة وتنظر إلى الأمور بعين التشاؤم والفأل السيئ فهذا أمر مرفوض, أما أن نزرع ثقافة الخوف من التطوير فهذا هو الأمر المحزن.
إن ثقافة الخوف بشكل عام وثقافة الخوف من التطوير والتغيير للأحسن ثقافة تحاصرنا في حياتنا اليومية وتؤدي إلى تخلفنا, والحقيقة المرة أن سبب عدم قدرتنا على الانتقال إلى العالم المتحضر القائد للعالم هو بسبب أصحاب نظرية الخوف أو ما يمكن أن أسميهم المرجفين في البلد, فترى حولنا من يحاول دائماً أن يخوفنا من بكرة وما يحمله من مآس حتى زرع فينا كرها للغد والتشاؤم من كل جديد, حتى أسلوب حياتنا سيطر عليه أصحاب ثقافة الخوف, فترى الواحد منا عندما يضحك لأمر مفرح تسمع من يقول لك ''الله يكفينا شر هذا الضحك'' أو عندما تحدث أحدهم عن التطلعات والأحلام والرؤى المستقبلية يفاجئك بقوله ''الله يكفينا شر بكرة وما يحمله من شرور'', والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى, حتى إننا أصبحنا شبه مخدرين من أصحاب ثقافة الخوف من الغد بحيث أصبح الماضي لنا هو الأجمل وأن الغد لا يحمل معه إلا كل شر ومكروه, ووفقا لهذه النظرية التنموية المتشائمة أصبح كل صاحب فكر تطوير وإبداع إنسانا فاسدا ومضلا ويجب محاربته بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.
عندما بدأت فكرة البث التلفزيوني المباشر خرج أصحاب نظرية وثقافة الخوف بآراء ومقالات ومحاضرات وحوارات عن كيف أن هذا البث التلفزيوني سيتسبب في تخلف الناس وأن ما يحمله من شرور سيؤدي إلى تفسخ القيم والأخلاق, إلى آخره من الطروحات التي تناولوها خلال تلك الحقبة, ومع أننا لم نستفد الاستفادة الحقيقية من البث التلفزيوني المباشر في إيصال رسالتنا وهويتنا السعودية العربية الإسلامية للعالم كما يجب إلا أن القنوات الفضائية الإسلامية الموجودة حالياً قدمت رسالة تعريفية بالإسلام فاق أثرها - ولله الحمد - أثر آلاف الكتب والبعثات التعريفية وغيرها من وسائل إيصال صوت الإسلام للعالم وأصبح المسلم وغير المسلم يتابع الصلوات الخمس طول العام وصلاة التراويح والقيام أيام رمضان ومناسك الحج من مكة المكرمة في جميع بقاع الأرض, وأصبح التواصل مع الوطن وأخباره ممكنا في أي مكان في الدنيا, ثم جاء الإنترنت وما صاحبته من حملة مناهضة من أصحاب ثقافة الخوف ليؤكد أننا لا نملك القدرة على المواجهة واستغلال واستثمار كل جديد لخدمة أهدافنا ورسالتنا للعالم ولعل آباءنا وأجدادنا يذكرون رحلة المعارضات التي حدثت أيامهم من أصحاب ثقافة الخوف على دخول الهاتف والبرقية والتلفزيون وتعليم المرأة وغيرها ما أثبتت معه الأيام أن أصحاب ثقافة الخوف غير دقيقين في تقديرهم للأمور ولو أخذنا بما ينادون به لأصبحنا اليوم أكثر تخلفا مما نحن فيه.
يجب أن نعيد النظر في قدرة أصحاب نظرية وثقافة الخوف في السيطرة على قراراتنا التنموية وألا نجعل لهم اليد العليا في تحديد نظرتنا نحو المستقبل وما نصبو إليه من تقدم ووضع قدم في منظومة الدول المتقدمة الصانعة للحضارة الإنسانية السليمة.
المملكة العربية السعودية اليوم تتمتع بكل مقومات التقدم والرقي بكل ما تملكه من قدرات وكفاءات بشرية ومادية ورغبة صادقة نحو الارتقاء بإنسانها ومكانها في كل المحافل والتوجهات, هذه الإمكانات والمقومات إذا تركت تحت يد وتأثير أصحاب نظرية الخوف أو التخويف فإننا سنفقدها ونخسرها ونخسر الزمن اللازم للحاق بالدول المتقدمة, وهذا التخلف والتقهقر سيكلفنا غالياً وسيكون انعكاسه سلبياً على ديننا وثقافتنا وقيمنا وموقعنا بين الأمم, وكما نعلم جميعاً أن العالم أفرادا ومؤسسات ودولا لا يحترم الضعيف أو المتخلف أو من يعتقد أن قيادة العالم والتقدم بين الدولة يأتي بالتفجير والإرهاب أو برفع الصوت وكثرة الخطب وإطالتها دون محتوى أو هدف.
إن أصحاب نظرية الخوف أو التخويف ينطلقون في ذلك إما من مصالح شخصية يرون معها أن انفتاح المجتمع وتطوره واستجابته للمتغيرات العالمية سيؤثر سلبا في مكانتهم الاجتماعية أو مكاسبهم الشخصية, ولهذا فإنهم يحاربون أي توجه للتطوير, والحديث عنهم يطول, والفئة الأخرى فئة جاهلة غير متواصلة مع العالم ولا ترى أبعد من أنفها ولهذا أي جديد يخرجهم عما تعودوا عليه تجدهم ينفرون منه ويخافونه وربما هذا الخوف جاءهم بسبب عدم قدرتهم على التكيف مع المتغيرات وأيضا بسبب تأثير أصحاب المصالح الخاصة, حتى إن تخوفهم من ذلك ورغبتهم فيما تعودوا عليه جعلهم في الجاهلية ينفرون من دعوة المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقولهم ''إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم لمهتدون'', ولهذا فإن الأمم لا تتقدم ولا ترتقي إذا حوصرت بين أصحاب نظرية الخوف أو التخويف وإعطاء المجال لهم أمر خطير ينعكس بشكل مباشر على بناء الأجيال المقبلة.
دعونا نعمل بعيداً عن أصحاب نظرية الخوف والتخويف ووفقا لثوابتنا المعتمدة وبما يضمن حقنا في الحياة الكريمة المقدرة من الأمم الأخرى وبما يجعلنا جميعاً نعتز بانتمائنا السعودي ولغتنا العربية وديننا الإسلامي وحقنا المشروع في الوصول إلى العالمية.
وقفة تأمل
لها عين أصابت كل عين
وعين قد أصابتها العيون