الإمبراطورية الأمريكية تعود إلى جنوب شرق آسيا

قبل أيام من الموعد المحدد لعقد الصين والولايات المتحدة أول حوار استراتيجي واقتصادي بينهما، ظهرت وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون في بوكيت، تايلاند للاجتماع الوزاري السنوي لرابطة بلدان جنوب شرق آسيا (آسيان) وهو شيء اعتادت سلفتها، كونداليزا رايس عدم حضوره.
وأعلنت في مؤتمر صحافي: ''أن الولايات المتحدة تعود إلى جنوب شرق آسيا، والرئيس أوباما وأنا نعتقد أن هذه المنطقة مهمة للتقدم والسلام والازدهار العالمية''.
وخلال إدارة بوش، اعتادت واشنطن على أن تكون مرتاحة جداً من توغلات الصين في أجزاء مختلفة من العالم بما فيها جنوب شرق آسيا وإفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية، باحة أمريكا الخلفية، وليس أكثر من ذلك.
وفي أيار (مايو) قالت كلينتون، لدى الاجتماع مع ضباط الخدمة الخارجية في وزارة الخارجية قالت بصراحة إن إيران والصين حققتا مكاسب ''مزعجة جداً'' في أمريكا اللاتينية، وقالت ''إننا ننافس على جلب الانتباه والعلاقات على الأقل مع الروس والصينيين والإيرانيين''، وحذرت من أنه ليس من مصلحة أمريكا'' أن ندير ظهورنا لدول في نصف كرتنا الأرضية''.
وهكذا قررت إدارة أوباما أن تنافس على النفوذ والانتباه في كل أنحاء العالم مع الدول الأخرى، وخصوصاً الصين.
إن الجهود الأمريكية في جنوب شرق آسيا جديرة بالاهتمام بشكل خاص، وبينما كانت كلينتون في تايلاند، وقعت معاهدة عام 1976 للصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا التي رفضت الولايات المتحدة التوقيع عليها في السابق، وفي عام 2003 أصبحت الصين أول بلد خارج المنطقة تنضم إلى الوثيقة، تبعتها الهند بسرعة.
إن التأخير الأمريكي في التوقيع على المعاهدة يعني أن الولايات المتحدة قد سبقتها اليابان، باكستان، كوريا الجنوبية، روسيا، نيوزيلندا، منغوليا، أستراليا، الاتحاد الأوروبي، تيمور الشرقية، بنجلادش، سريلانكا، وكوريا الشمالية. وفي الحقيقة، ومع قرار واشنطن بالانضمام إلى المعاهدة فإن كندا هي الآن البلد الوحيد الذي شارك في منتدى آسيا الإقليمي الذي لم توقع عليه.
رفضت الولايات المتحدة التوقيع على المعاهدة خوفاً من أن يؤدي تركيزها على عدم التدخل في الشؤون الداخلية إلى تقييد حرية أمريكا في العمل لفرض عقوبات على الدول الأخرى مثل بورما، وقد يؤدي ذلك إلى نسف التحالفات مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.
لكن كل هؤلاء الحلفاء لأمريكا قد وقعوا حتى الوقت الحالي على المعاهدة، الأمر الذي يعكس الأهمية التي علقوها على جنوب شرق آسيا، مع أنهم أوضحوا قبل التوقيع أن المعاهدة لن تؤثر في التزاماتهم وفق المعاهدات الدولية الأخرى.
إن الانضمام إلى المعاهدة شرط مسبق للعضوية في قمة شرق آسيا. ولهذا فإن الولايات المتحدة الآن في وضع تستطيع معه تعميق انخراطها في المنطقة بالتقدم للانضمام إلى تلك الهيئة أيضا. ومن المعروف أن الصين فاترة إزاء المشاركة الأمريكية في قمة شرق آسيا.
وبينما كانت في تايلاند، تحدثت كلينتون في اجتماع عقد في البلدية وسئلت فيما إذا كانت الولايات المتحدة تولي اهتماماً أكبر للمنطقة ''لأنك تريدين أن توجدي توازناً مع الصين'' وأكدت ذلك حين ردت ''أننا جميعاً نريد أن يكون بروز الصين الواضح بروزاً سلمياً'' وأضافت أن كثيراً من جيران الصين قد أعربوا عن الهواجس، لذلك نريد أن نقوي علاقاتنا مع كثير من الدول الموجودة في شرق وجنوب شرق آسيا''.
ورابطة آسيان المكونة من عشرة دول رحبت من جانبها باهتمام إدارة أوباما المتجدد بجنوب شرق آسيا، فقد قال سورين بتسوان، الأمين العام لرابطة آسيان إن الانضمام إلى المعاهدة ''يمثل فعلاً تحولاً في الاستراتيجية من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة نحو آسيان''.
وكما لو أنها تبين الاهتمام الأمريكي بالمنظمة، عقدت كلينتون اجتماعا وزارياً غير مسبوق مع كمبوديا ولاوس وفيتنام وتايلاند لمناقشة قضايا تتعلق بالمياه والصحة والبيئة.
وكان هذا الاجتماع مهماً دبلوماسياً لأن هذه الدول الصغيرة التي تملك ثقلاً سياسياً ضئيلاً تهتم بتأثيرها في سلسلة من السدود الثمانية التي تقيمها الصين على امتداد النهر، الذي ينبع من التيبت، وبعقد هذا الاجتماع فإن واشنطن كانت تزج بنفسها في الوضع وتؤشر إلى أن لها مصالح في هذه المنطقة الفرعية المهمة جيوسياسياً.
ولاحظت الصين الاهتمام الأمريكي المتجدد في جنوب شرق آسيا وذكرت وكالة الأنباء الرسمية، شنخوا ''تعميق الانخراط الأمريكي في المنطقة بعد سنوات من الإهمال''، ووصفت انضمام أمريكا إلى معاهدة الصداقة بأنها ''خطوة تتم مراقبتها على نطاق واسع والتي يمكن أن يكون لها دلالات كبيرة على مستقبل جنوب شرق آسيا إضافة إلى منطقة آسيا – الباسيفيكي ككل''. إن اللعبة مستمرة.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OpinionAsia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي