تقلبات سعرية

ظل سعر برميل النفط متأرجحا في حدود 60 دولارا منذ أكثر من أسبوع, وذلك لأول مرة منذ منتصف أيار (مايو) الماضي، فالأرقام الأسبوعية لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية تشير إلى أن حجم المخزونات وصل إلى أعلى معدل له خلال ربع قرن من الزمان، خاصة لبعض المنتجات المكررة، إضافة إلى ضعف الطلب الناجم عن آثار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، رغم التحسن في التوقعات بتحسن الوضع الاقتصادي التي تترى من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي.
وكان الإحساس أن الأسوأ تم تجاوزه بعد استقرار سعر البرميل فوق 70 دولارا لأكثر من أسبوعين، لكن يبدو أن السوق في طريقها إلى مرحلة من التذبذب ليس واضحا المدى الذي ستستغرقه أو هامش التذبذب الذي ستتحرك فيه.
ففي غياب الوضوح المرتبط بأساسيات السوق من عرض وطلب، والخوف أن تؤدي الحالة الراهنة للأسعار المتدنية إلى عدم الاستثمار في رفع الطاقة الإنتاجية في الدول ذات الاحتياطيات، وهو ما يظهر في تأجيل العمل في توسيع الطاقة الإنتاجية في بعض المشروعات القائمة فعلا، أو عدم المضي قدما في التجهيزات الخاصة في مشاريع جديدة. هذا مع العلم أن كثيرا من التوقعات تشير إلى احتمال أن تفاجأ الأسواق بطلب قوي كما في التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة، التي لا تستبعد أن يشهد العام المقبل انعطافة حادة فيما يتعلق بالطلب، قد لا يكون السوق مستعدا لها.
وبالقدر نفسه الذي تعاني فيه السوق ارتفاع الأسعار أو انخفاضها، فإن حالة التذبذب تؤدي إلى النتيجة نفسها وتبذر بذور أزمات مستقبلية، بل قد تكون أسوأ. ففي حالة الارتفاع المستمر والمستقر للأسعار، هناك وضوح يدفع المستهلكين إلى تقييد وترشيد استهلاكهم، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض في الطلب ينعكس على الأسعار. وبالقدر نفسه، فإن التراجع الحاد في الأسعار يدفع المستهلكين إلى زيادة إنفاقهم واستخدام المنتجات النفطية الرخيصة، الأمر الذي يؤدي إلى صعود في الطلب يؤدي عمليا إلى ارتفاع في الأسعار، لأن الدول المنتجة لم يكن لديها عائدات كافية للاستثمار في توسيع طاقتها الإنتاجية.
أما حالة التذبذب فهي الأسوأ، إذ لا يسمح لأي من حالتي ارتفاع الأسعار أو انخفاضها أن تمضي حتى نهاية الطريق، وتهيئة الأرضية إلى المرحلة التالية في وقت أسرع. أحد نتائج حالة عدم الوضوح هذا تأجيل اتخاذ بعض القرارات المهمة. وتمثل حالة شركة «بي. بي» أفضل مثال في هذا الصدد، فشركة «بي. بي» أو «بريتش بترلويوم» كما كانت تعرف، قررت في نقلة استراتيجية على عهد كبير مديريها التنفيذيين السابق لورد براوني, التحول إلى ميدان الطاقة المتجددة، لكنه استفاد من الحرفين الأولين اللذين اشتهرت بهما الشركة واستخدام كلمات «ما وراء البترول» Beyond Petroleum للإشارة إلى الشركة الجديدة، لكن بعد تقاعد براوني، وجد خليفته طوني هيوارد نفسه في بيئة نفطية مختلفة مع التراجع في أسعار النفط، الأمر الذي يجعل من الاتجاه إلى البدائل والعمل في مختلف مصادر الطاقة المتجددة من الصعوبة بمكان. لذا يكثر الحديث في أروقة الصناعة النفطية، أن «بي. بي» عادت مرة أخرى «بريتش بتروليوم». والدليل نشاطها الأخير الذي أهلها لقيادة كونسورتيوم يضم شركة النفط الوطنية الصينية والفوز بالعطاء الخاص بتطوير حقل الرميلة العراقي في مواجهة شركات عملاقة أخرى مثل «إكسون موبيل» و»رويال داتش شل».
ومثل هذا الوضع سيؤثر في الخطط التي تتبناها الدول الغربية الرئيسية المستهلكة للنفط بالتحول إلى ميادين الطاقة النظيفة والخضراء المتجددة، ويجعل من أحاديث تخفيف الانبعاثات الغازية وإيجاد توافق على مرحلة ما بعد كيوتو مجرد كلام في الهواء، حتى مع استعداد الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس باراك أوباما لتبني موقف مخالف لما كان سائدا إبان الإدارة السابقة.
وهذا ما يعيد الكرة مرة أخرى إلى الساحة النفطية ووضع سعر البرميل تحديدا، فكلا من المنتج والمستهلك يحتاج إلى نوع من الوضوح يسمح له بالتخطيط على الأقل في المدى المنظور، لكن لا يمكن المضي قدما في ذلك دون الوصول إلى سعر مجز للطرفين.
وكانت السعودية قد اقترحت سعرا يراوح بين 70 و75 دولارا للبرميل كي يكون الأساس الذي تتعامل به السوق، على أن الأمر ليس مجرد أمنيات أو اقتراحات، وإنما يحتاج إلى الوصول إلى صيغة تتعلق بالطلب المستقبلي حتى يمكن على أساسها التخطيط للإمدادات. لكن في ظروف التقلبات السائدة حاليا والأزمة الاقتصادية التي لا يعرف متى يمكن أن تنتهي، يبدو أن الحديث عن أحداث استقرار في السوق من الصعوبة بمكان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي