رائحة المؤامرة في أحداث الصين الدامية؟
فجأة ودون سابق إنذار أو مقدمات، تفجر الوضع العرقي في الصين، وتسلطت الأضواء على تلك المنطقة التي تقطنها أغلبية مسلمة! فهذه المنطقة دخلت ضمن الكيان الصيني منذ الربع الأخير من القرن الـ 19، أي منذ ما يقرب من 150 عاماً، كما أنها تتمتع بوضع أو حكم ذاتي، ولكن ألا ينبغي علينا على الأقل أن نحاول تفسير تلك الأحداث؟ وما تعكسها من دلالات ودروس بالنسبة لنا كعرب؟ فهل هناك مؤامرة تحاك للصين؟ ولماذا؟ ولماذا في هذا التوقيت تحديداً؟ ولمصلحة من دخول الصين في تلك المعمعة الداخلية؟ وخاصة مع الطائفة المسلمة؟ ثم ما الدروس التي ينبغي أن نخرج منها من تلك الأحداث؟
يرفض كثير من المفكرين العرب نظرية المؤامرة، ويؤمن بها كثيرون أيضاَ، وأنا أنتمي إلى هذه الفئة الأخيرة، فتاريخنا العربي في علاقته بالغرب، مليء بعشرات من قصص المؤامرة، ولن أدخل في تفصيل هذا الأمر، فكل عام وأنتم بخير، نحن مقبلون على رمضان ولا داعي لأن نقلب المواجع، حتى ندخل على هذا الشهر ونحن على استعداد تام لمتابعة عشرات المسلسلات التي أعدت خصيصاً لهذا الشهر الفضيل، فتقبل الله منا ومنكم، ويجعله ''عامر''.
نعود إلى الصين، لماذا الصين؟ الإجابة ببساطة أن الصين متهمة من قبل عشرات الكتاب الغربيين بأنها من خلال استراتيجيتها التنموية جرت الاقتصادين الغربي والأمريكي إلى الكارثة الراهنة لكي تنتقل إليها دفة القيادة. أي أن ما حدث أخيرا من أزمة عالمية لم تكن وليدة أحداث عشوائية, وإنما ترتيب لتغيير قواعد اللعبة ولتجلس الصين على دفة القيادة، بعد أن أصبحت الدائن الأكبر لأكبر اقتصاد في العالم، وجعلت هذا الاقتصاد معلقاً بأنامل صناع القرار في بكين. وبالتالي هل هناك رابطة بين الأزمة العالمية وبين تفجر تلك الأحداث في الصين؟ لا أستطيع أن أنكر وخاصة بعد أن تعالت الأصوات المطالبة بدور أكبر للصين في صناعة القرار العالمي، بل بعد أن كثفت الصين التصريحات التي تطالب بالتخلي عن الدولار.. وما أدراك ما الدولار كعملة احتياط دولية. فالرابطة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء.
السؤال التالي.. ولماذا تفجرت الاشتباكات في تلك المنطقة ذات الأغلبية المسلمة؟! ببساطة لأن الغرب جرب طويلاً النزاع مع المسلمين، وأدرك مدى جلدهم في الدفاع عن قضيتهم، ولهذا هم أفضل سلاح لإلهاء التنين الصيني بمشكلاته الداخلية، وبدلاً من أن يتركز الاهتمام على الاستعداد لقيادة دفة العالم، سيغرق التنين في مشكلاته الداخلية. مؤكد أن كثيرا من الصينيين يدركون هذه الحقيقة ولهذا عليهم ألا ينجروا وراء تلك المكائد التي لطالما أغرقت كثيرا من مناطق العالم في بحور من الدماء، وما لذلك من آثار على التنمية والتقدم، ومنطقتنا العربية هي خير معلم لمن يبحث عن معلم.
كما يدرك الغرب جيداً التوجه التدريجي والقوي لكثير من دول العالم، وفي مقدمتهم الدول العربية، نحو الشرق وتحديداً نحو الصين، وبالضرب على وتر المسلمين، يمكن أن تفكر كثير من تلك البلدان في مستقبل تعاملاتها، كما ستنشأ وتتصاعد دعاوى المقاطعة لكل ما هو صيني، ولا أدري فعلاً لو تمت المطالبة بمقاطعة المنتجات الصينية، ماذا سنجد في أسواقنا، فجل ما في أسواقنا وبيوتنا صنع في الصين.
أهم درس يمكن أن نتعلمه من تلك الأحداث هو أن نكون كعرب حريصين في مبادلاتنا وتعاملاتنا سواء مع الشرق أو الغرب، من خلال تبني سياسات متوازنة تلبي متطلبات اقتصادياتنا، والسياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، كما أن على الصين أن تدرك جيداً – ونحسبها كذلك – أن المسألة أكبر من مجرد تفجير الوضع في المنطقة، بعد أن ظلوا لعقود يضربون على وتر التبت ولم يفلحوا، وهم الآن دخلوا من باب في غاية الخطورة، خاصة في ظل المشاعر الإسلامية الملتهبة على أثر مكائد الغرب للمسلمين.
نتمنى أن تخرج الصين سالمة من هذا التوتر وأن يدرك الجميع مسلمون وغير مسلمين أنهم ينتمون إلى كيان واحد, وأن الهدف ليس تمكينهم من استعادة حقوقهم في الاستقلال بقدر ما هو إغراق للطرفين في بحور من الدماء، خاصة أن الصين خرجت من الأزمة العالمية خروج المنتصر، ونحن نعرف كيف يكون تصرف المنتصر أو ردة فعله حال العدوان عليه أو المساس بهيبته. فهل يدرك الصينيون مغزى تفجير هذا الوضع؟ وهل ندرك نحن العرب التبعات؟ الله أعلى وأعلم.