نماذج لبنوك سعودية في مجال المسؤولية الاجتماعية

كثيراً ما يتردد على لسان بعض وسائل الإعلام المحلية، بما في ذلك في أحاديث المجتمع، أن هناك قصورا واضحا وكبيرا في الدور الاجتماعي، وبالذات في مجال المسؤولية الاجتماعية، الذي تقوم به وتمارسه مؤسسات وشركات القطاع الخاص، بما في ذلك المصارف المحلية.
على سبيل المثال إحدى الصحف المحلية، وصفت دور البنوك المحلية في مجال المسؤولية الاجتماعية، بالدور الغائب، وعلى أنه دون المستوى المأمول، إن لم يكن بالمعدوم بالكثير من البنوك، ولا سيما عند مقارنة ذلك الدور بهامش الربح المرتفع، الذي تحققه البنوك قياساً بكثير من القطاعات والاستثمارات الاقتصادية الأخرى، ومن هذا المنطلق فقد طالبت الصحيفة البنوك المحلية، بالمبادرة إلى تأسيس المشاريع الخيرية ودعم المشاريع التنموية وتكريس دورها في هذه المجالات، باعتبارها مؤسسات وطنية تدرك أن من واجبها أن تقدم للوطن جزءا يسيراً من أرباحها نظير ما يقدمه لها من إمكانات، وما يوفره لها من نظام يحميها من أي مخاطر ومجازفات، يمكن أن تؤدي إلى وقوعها في دائرة الخسائر، هذا ومن بين الأعمال الخيرية التي طالبت بها الصحيفة البنوك المحلية القيام بها، إقامة مكتبة، أو إنشاء مؤسسة خيرية، أو دعم رباط من الأربطة، أو دعم دار من دور العجزة، أو إنشاء مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة.
في رأيي أن التشكيك الحاصل سواء من جانب بعض وسائل الإعلام المحلية أو من قبل أفراد المجتمع، في الدور الذي تقوم به مؤسسات وشركات القطاع الخاص، بما في ذلك البنوك المحلية في مجال المسؤولية الاجتماعية، يرجع سببه إلى غياب الفهم الواضح لمفهوم المسؤولية الاجتماعية، والخلط فيما بينه وبين أوجه العمل الخيري المختلفة، بما في ذلك الزكاة والصدقات، ولهذا السبب وكما يبدو تتجاهل بعض وسائل الإعلام المحلي دون قصد الدور الاجتماعي، الذي تقوم به البنوك المحلية، في ظل الافتقار إلى مفردات الوعي بالمسؤولية الاجتماعية، والتفريق فيما بينها وبين ممارسات أخرى خيرية، وذلك وفقما يعرف البنك الدولي المسؤولية الاجتماعية للشركات، على أنها التزام أصحاب النشاطات التجارية الإسهام بالتنمية المستدامة من خلال العمل مع المجتمع المحلي، بهدف تحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم الاقتصاد والتنمية.
من منطلق التعريف العلمي لمجال عمل المسؤولية الاجتماعية وفقما ذكر أعلاه، في رأيي أن هناك عددا كبيرا من الشركات والمؤسسات، بما في ذلك البنوك المحلية، تقوم بتنفيذ العديد من برامج المسؤولية الاجتماعية، وفق مفهوم دولي متفق عليه، بهدف تحسين مستوى معيشة الناس داخل المنشأة وخارجها بأسلوب يخدم الاقتصاد والتنمية.
في التالي سأستشهد ببعض نماذج وبرامج المسؤولية الاجتماعية، التي تقوم البنوك السعودية بتنفيذها، من خلال أقسام وإدارات متخصصة في مجالات عمل المسؤولية الاجتماعية، تحت إشراف مباشر من قبل مجالس الإدارات بتلك البنوك، فعلي سبيل المثال لا الحصر، استطاع البنك الأهلي التجاري من خلال مسيرته الممتدة لسنوات طويلة في مجالات عمل المسؤولية الاجتماعية، أن يحقق نجاحات كبيرة في المجالات التعليمية كافة، والصحية، والثقافية، والرياضية، والتدريبية، والتوعوية، المرتبطة بالرفع من كفاءة ومهارات أفراد المجتمع، مما مكنهم وفق خطط وبرامج مدروسة، أن يتجاوز العقبات التي تواجههم، وأن تتوافر لهم فرص عمل تتوافق مع تطلعاتهم وطموحاتهم، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في تقليص البطالة لدى الأسر محدودي الدخل، والأسر الفقيرة، والأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة. البنك الأهلي التجاري، استطاع من خلال برامج الأهلي لفرص العمل، التي من بينها برنامج الأهلي للمشاريع الصغيرة، وبرنامج الأسر المنتجة، تنمية مهارات العديد من الشباب والشابات، بالتعاون مع 12 جهة عامة وخاصة، ليصبحوا مؤهلين لاقتحام مجالات العمل التجاري الخاص بثقة واقتدار، علماً بأن عدد المستفيدين والمستفيدات من تلك البرامج قد تجاوز الـ 1626 شابا وشابة على مستوى المملكة.
بنك الرياض نموذج لبنك سعودي آخر، استطاع من خلال إدارة متخصصة في خدمة المجتمع، أن يقوم بتدريب وبتطوير مهارات عدد كبير من الشباب والشابات، بما في ذلك توفير الوظائف المناسبة لهم، هذا إضافة إلى قيامه بتوفير التدريب التعاوني لأكثر من 90 طالبا وطالبة من الجامعات والكليات في المملكة لمدة نحو 28 أسبوعا، والتي يتم من خلالها تدريبهم في أقسام البنك المختلفة وتأهيلهم للعمل في السوق، هذا وقد حصل البنك على جائزة التوظيف من مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية في دول الخليج العربية لتحقيقه معدلات عالية في توطين الوظائف.
مجموعة سامبا المالية، نموذج لبنك سعودي آخر، استطاع من خلال تنفيذه برامج متخصصة في مجال عمل المسؤولية الاجتماعية، أن يحقق عديدا من الإنجازات المرتبطة بتنمية قدرات ومهارات أفراد المجتمع، فعلي سبيل المثال لا الحصر، قامت المجموعة أخيراً بتنفيذ عدد من الدورات التدريبية المكثفة لعدد من الشباب السعودي، الذين تمكنوا من خلالها الحصول على فرص عمل تتواءم مع تطلعاتهم وطموحاتهم داخل المجموعة وخارجها. أخيرا وليس آخرا، من منطلق الشعور بالمسؤولية الاجتماعية تجاه أفراد المجتمع، أطلق بنك الجزيرة برنامج (خير الجزيرة لأهل الجزيرة)، الذي رصد من خلاله مبلغ 100 مليون ريال، لاستهداف تنمية قدرات ومهارات أفراد المجتمع، وذلك من خلال تقديم منظومة متكاملة من البرامج والأنشطة غير الربحية، سعياً وراء إحداث نقلة نوعية وتنمية مستدامة في حياة الفرد والمجتمع. من بين البرامج المتميزة التي يقدمها برنامج (خير الجزيرة لأهل الجزيرة)، برنامج «البداية» التدريبي، الذي يهدف إلى الإعداد النفسي والمعرفي والمهاري لخريجي وخريجات الثانوية العامة والجامعات، لمساعدتهم في الانخراط في سوق العمل، وكذلك برامج الأسر المنتجة، الذي يهدف إلى مساعدة الأسر المحتاجة والرفع من المستوى المعيشي لأفرادها من خلال التدريب على مهن معينة والتوظيف أو من خلال تمويل برامج ومشروعات إنتاجية وصناعية صغيرة، علماً بأن عدد المستفيدين والمستفيدات من برنامج (خير الجزيرة لأهل الجزيرة)، منذ انطلاقته في عام 2006، قد بلغ أكثر من 1034 شابا وشابة، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي