تأملات إدارية في أحوال الموظفين (2 من 2)

تحدثنا في المقال السابق عن الموظفين وأحوالهم ومعاناتهم في أداء العمل وما ينتج عنه من خلل وتقصير وانعكاس ذلك على أداء المرفق وتساءلنا عن موقف المديرين حيال هذا، وأوردنا سببين من الأسباب الـ 16 التي ذكرها المؤلف فرديناند فورنيس في كتابه تحت عنوان: "لماذا لا يقوم الموظفون بما ينبغي عليهم القيام به، وما العمل حيال ذلك؟"
"Why employees don’t do what they supposed to do, and what to do about it "
كأسباب تحول دون قدرة الموظفين للقيام بعملهم كما ينبغي ذلك، وفي هذا المقال سنحاول أن نوضح بعض الأمور ونورد بعض الأسباب الأخرى التي جاءت في الكتاب.
كنا قد أثرنا نقطة مهمة وهي كيف ينظر كل من الموظفين والمديرين حيال عدم معرفة الموظفين كيفية أداء مهامهم، ولماذا لا يقوم الموظفون بطلب المساعدة من مديريهم ولماذا لا يساعدهم مديروهم، وسنورد هنا مقولات الموظفين كأعذار وقناعات لعدم طلب المساعدة، كما سنورد موقف المديرين وردودهم حيال طلب المساعدة من موظفيهم لتعرف حجم الفجوة وحجم الخلل.
ومما أورده المؤلف من أقوال الموظفين حيال عدم طلب المساعدة التالي:
ـ لأي سبب لا تخبر رئيسك بأنك لا تعلم كيف تؤدي العمل.
ـ أنا أعلم أن ما أقوم به ليس الطريقة الصحيحة، ولكن لا أعلم طريقة غيرها لأداء العمل.
ـ إذا لم تعلم كيف تقوم بالعمل، فتظاهر بأنك تعرف، لن يستطيعوا إدراك أن الخطأ منك.
ـ عندما يسألون هل الكل يعرف ما يجب عليه القيام به، أرفع يدي لأنني لا أريد أن أكون الغبي الوحيد في المجموعة.
ـ لن تستفيد من سؤالهم كيف ينبغي أن تؤدي العمل، لأنهم سيتكلمون بسرعة ويتحركون بسرعة وستظل لا تعلم كيف يجب عليك أن تؤدي العمل.
ـ كل مرة تسأل عن كيف يساعدك، كل الذي تحصل عليه محاضرة طويلة عن إجادة العمل والإبداع.
هذا ما يقوله الموظفون والسؤال لماذا وصلوا لمثل هذه القناعات وأحجموا عن طلب المساعدة كي يقوموا بأعمالهم كما ينبغي، ولعلنا نجد الإجابة عن هذا السؤال بعد ما نقف على ردود المديرين حيال طلب المساعدة.
فماذا يقول المديرون عندما يسألهم موظفوهم إنهم لا يعلمون كيف يجب عليهم القيام بالعمل، وهذه بعض ردود المديرين:
ـ إذا كنت سأخبرك كيف تعمل كل شيء، إذا لماذا يجب علي أن أدفع لك راتبا.
ـ ألا تستطيع أن تفكر بنفسك؟
ـ سأكون مسرورا لو استطعت لساعدتك، ولكني مشغول جدا.
ـ لا تهتم أنا سأقوم بالعمل بنفسي.
ـ لقد أخبرتك كيف تؤديه من قبل، هل تريد أن أقوم بعملك نيابة عنك.
ـ نريد أشخاصا حولنا في العمل يستطيعون أن يؤدوا أعمالهم وحدهم.
ـ هل تريد أن أمسك يديك كي تقوم بكل عمل.
مثل هذه الإجابات وما قاله الموظفون يوضحان حجم الفجوة بين الموظفين ومديريهم وكلهم منوط بهم أداء العمل، فمن المهم جدا أن يتعلم ويتدرب الموظف على كيف يقوم بالعمل بما يضمن معرفته وقدرته على تحقيق ما هو مطلوب منه على الوجه الصحيح دون تأخير أو دون أخطاء تنعكس على مستوى وجودة العمل ومن المهم جدا أن يتأكد المديرون والمسؤولون من فهم موظفيهم وقدرتهم على أداء أعمالهم, بل وتمكينهم من القيام بهذا العمل على أفضل وجه. فهل نعي مثل هذه الأمور البسيطة ونعطيها حقها.
إن ما سبق وذكرناه من آراء الموظفين وإجابات مديريهم، هي حالات تحدث في أمريكا حيث الإدارة والحس الإداري مرتفع والناس تعمل لتحقيق أفضل النتائج وأن يستمر وطنهم (أمريكا) في مقدمة الركب، إذا ما بالك بحال موظفينا ومديريهم وأحوالهم ومعاناتهم وما يمرون به، حيث تجد المديرين يركزون فقط على محاسبة موظفيهم في حالة تأخرهم أو غيابهم – ولكن ومع الأسف لا يسألونهم كيف يقضون وقتهم عند ما يكونون في أماكن عملهم.
وقد اطلعت على دراسة سابقه قامت بها إحدى الجهات أوضحت أن إنتاجية الموظف العربي والوقت الحقيقي الذي يقضيه لأداء العمل لا يتجاوزان ساعة واحدة في اليوم، فأين يذهب باقي وقته، وماذا نستفيد عندما نتابع حضورهم وتحضر أجسادهم وتعطل عقولهم، أليس من المنطق ومن المجدي بعد متابعة حضورهم وانصرافهم أن نستثمر بعض الجهد في التأكد من أنهم يقومون بأعمالهم على أفضل وجه وإلا لماذا نتابع حضورهم ونزعج أنفسنا ونزعجهم؟ فحضورهم ليس هدفا في حد ذاته, الهدف هو أداء العمل وتحقيق النتائج التي من أجلها تم توظيفهم.
قد يجد البعض أن فيما ذكرته شيئا من التفصيل والإطالة، ولكن مثل هذا الأمر مهم جدا وعلى المديرين والمسؤولين التأكد من معالجتها قبل أن تنعكس سلبا على أداء الأعمال وبدلا من أن تستثمر قليلا من الوقت والجهد في الإيضاح والتأكد من فهم الموظفين لما يجب عليهم القيام به، فحتما سيمضي وقت أطول وجهد أكثر في مناقشة الأخطاء والبحث عن سببها ومسببها ونلوم بعضنا بعضا ونخسر الوقت والمال بسبب عدم قيامنا كمديرين بمسؤولياتنا كما ينبغي في بداية الأمر.
ثم إني أحب أن أطرح أمرا مهما جدا، وهو أننا نقوم بكل الأمور المكلفة من توظيف الأشخاص ودفع رواتبهم وشراء الأجهزة والأنظمة والمكاتب، وعقد الاجتماعات والسفر وغيرها ثم تكون النتائج دون المتوقع لماذا؟ علينا سؤال أنفسنا والبحث عن الأسباب التي تحول أو تحد من قدرة الموظف على القيام بعمله كما ينبغي والتي ذكر في الكتاب الكثير منها، ولن أسهب في مناقشة بقية الأسباب التي يتحدث عنها الكتاب بل سأورد بعضها، وهذه أمثلة لبعض الأسباب التي ذكرها المؤلف في كتابه:
ـ لا يعلمون ماذا يجب عليهم القيام به.
ـ يعتقدون أن طريقتك لن تنفع.
ـ يعتقدون أن طريقتهم أفضل.
ـ لا يعتقدون أن هناك أي مردود إيجابي لهم من القيام بالعمل .
ـ يعتقدون أنهم يقومون بعملهم كما ينبغي.
ـ ليس هناك محاسبة عندما يكون أداؤهم سيئا.
ـ هناك معوقات خارجة عن قدرتهم.
وغيرها من الأسباب بمزيد من الإيضاح والشرح مع طرح حلول لمعالجتها ووضع أسباب لتلافي حدوثها بما يسمى بالإدارة الوقائية – وقد قيل في الحكمة العربية القديمة " درهم وقاية خير من قنطار علاج".
فهل ندرك هذا لأهميته في حفظ وقتنا وتحقيق النتائج المرجوة في أسرع وقت وبأقل تكلفة.
وأنصح كل مدير ومسؤول الرجوع للكتاب وقراءته والاستفادة من المادة والجهد الذي بذل بما يحقق الهدف وهو رفع أداء شركته أو المرفق الذي يعمل فيه.
بل إنني أنصح بأن تقام دورات عملية ومتخصصة حيال هذه المشكلة الحقيقية (لماذا لا يقوم الموظفون بما ينبغي عليهم القيام به، وما العمل حيال ذلك؟) واستخدام هذا الكتاب كمادة تدريبية سيكون ذا فائدة كبيرة، ولعل جهة مثل معهد الإدارة تتبنى هذا الأمر وتقدم دورات أو ورش عمل تكون أكثر عملية وواقعية من كونها دورة نظرية وقد تجمع بين المديرين وموظفين وتسمع بعضهم ردود البعض الآخر، فهل يتحقق هذا ويتحسن الأداء ويرتقي للطموحات؟ هذا ما نأمله ونعمل من أجله.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي