هل فقدنا الإحساس بالآخر؟!
تقارب المجتمعات وتطور الاتصالات وانتشار القنوات الفضائية وتعقد الحياة المعيشية جعلت حياتنا مزدحمة بكل شيء وفي كل شيء, وأصبح الإحساس بالآخر إحساسا ضعيفا تحولنا معه إلى ما يشبه الآلات نتحرك وفقا لذلك ونتعامل مع بعضنا استناداً إلى هذا المفهوم, لا نعرف بعضنا إلا وفقا لمصالحنا واحتياجاتنا حتى قضيانا الأسرية والاجتماعية تحولت مع الوقت إلى ما يشبه الأرقام الخاوية والخالية من كل معنى.
علاقاتنا الاجتماعية وصلت إلى مرحلة في الضعف بحيث لم يعد يعرف الجار جاره ولا يملك أي إحساس نحوه من الرعاية أو الاهتمام, أغلقنا بيوتنا بأبواب من حديد ورفعنا أسوارها بكتل خرسانية يصعب معها في الغالب معرفة ما يدور في داخلها وحولنا مساجدنا إلى صومعة عبادة فقط ندخل للصلاة ونخرج بعدها مسرعين إلى قلاعنا المحصنة, وجعلنا مثل هذا التصرف اللا إنساني نموذجا لمفهوم التحضر والبعد عن شؤون الآخرين, ونحن بهذا نخالف توجيها إلهيا عظيما "يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ". ولا نأخذ بتوجيه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ عندما دعانا إلى الاهتمام بالجار ورعايته "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
عدم الإحساس بالآخر انتقل إلى مواقع أعمالنا وتحولت هموم الناس ومشكلاتهم ومستقبلهم ومصالحهم وحمايتها إلى أرقام قيود وتواريخ يجب العمل على تسديدها دون العمل على تحليلها ودراستها واقتراح الحلول التي تساعد على معالجتها مع احترام إنسانية صاحبها وحقوقه. وبهذا الأسلوب الجامد البعيد عن المفهوم الإسلامي للإنسانية تعاظمت مشكلاتنا من مشكلات بسيطة لا تتعدى مثلا خلافات طلابية أو بعض المشكلات على الأراضي وغيرها إلى مشكلات معقدة أصبحت المخدرات وما شابهها العنصر الفاعل والمحرك لها وأصبح تعاملنا معها تعاملا جامدا ينطلق أيضاً من مفهوم الأرقام والقيود وضرورة تسديدها, فمثلا يتم القبض على شاب في مقتبل العمر بسبب استعمال حبة مخدر أو سيجارة حشيش ويتم تحويله إلى جهة التحقيق التي تحقق معه وفقاً للتحقيق التقليدي ثم تحيله بعد إثبات الإدانة إلى المحكمة التي تنظر في قضيته على أساس استعمال المخدر فيُحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات مثلاً وجلده ألف جلدة, ونظراً لازدحام جهات التحقيق والمحاكم بالقضايا يصبح التعامل الآلي الرقمي مع مثل هؤلاء الشباب هو السائد فيصعب على المحقق أو القاضي النظر في الأثر السلبي العظيم المترتب على الحكم, لأننا بهذا الحكم مثلاً قضينا على مستقبل شاب أولاً ثم مستقبل أسرة ومجتمع في الغالب وفي الوقت نفسه أضفنا مجرما جديدا إلى المجتمع خطؤه أنه ارتكب جنحة كان يمكن معالجتها ببدائل أخرى غير السجن.
إن دخول مثل هذا الشاب وهو في مقتبل العمر وبهذه المدة الطويلة في السجن ستحوله إلى مجرم ممارس لأننا بهذا الإجراء نقلناه إلى وسط البيئة القادرة على تدميره وجعله عدوا لمجتمعه, وعندما يسجن مثل هذا الشاب فإنه يتحول ومع الأسف الشديد في الغالب إلى فريسة سهلة لبعض ضعاف النفوس لاستغلاله وتدمير رجولته واحترامه لنفسه فيصبح بعد ذلك إنسانا حاقدا وغاضبا على المجتمع ويسعى إلى الانتقام منه.
الإحساس بالآخرين رحلة من المحاسبة لما نحن عليه اليوم من انفصال مجتمعي وغياب لتحمل المسؤولية الوظيفية والاجتماعية التي ترتقي بمجتمعنا من خلال ارتقائنا بأعمالنا وتطويرها والإحساس بقضايانا الاجتماعية ودراستها بتعمق ووضع الحلول التي تعالجها وتقضي على المشكلات بدلا من تحويلها إلى معاملات وأنظمة وقرارات تفسد وتقتل روح المجتمع وعطاءه وتطويره. آمل من كل واحد منا أن ينظر حوله وفي فعله ويطبق ذلك عليه ويرى هل هو شريك في هذا الجرم أم لا وستفاجئنا الحقيقة المرة.
وقفة تأمل :
ردوا التحية أيها السفر
وقفوا فإن وقوفكم أجر
ماذا عليكم في وقوفكم
ريث السؤال سقاكم القطر
بالله ربكم أما لكم
بالمشعرين وأهله خبر