هل تعمل الأزمة المالية العالمية على حل أزمتنا الإدارية (2 من 2)

ذكرنا في المقال السابق واقع الأزمة الإدارية في العالم العربي ومعاناة الشعوب والوضع الإداري الصعب, وأن من أهم أسباب هذا الخلل الإداري الذي قادنا إلى هذه الأزمة انشغال من هم على هرم المسؤولية بأعمال روتينية عن مهماتهم الرئيسة.
وذكرنا أننا سنبدأ الحديث عن بعض المفاهيم الإدارية وكذا التجارب الناجحة في بعض الدول, التي كان لها أثر إيجابي وحققت نجاحات كبيرة جدا وأهمية تبني وتطبيق مبدأ الفكر الإداري الجديد، فلماذا الإدارة.
الإدارة هذه الكلمة التي تستخدم بكثرة في أي نجاح أو إخفاق, فأول مرة شد انتباهي موضوع الإدارة كانت عند مقولة كتبت على منهج علم الإدارة بعنوان (88 في المائة من فشل المشاريع سببها سوء الإدارة)، وبقيت هذه المقولة عالقة في ذهني منذ ذلك التاريخ, وقد كنت أعتقد أنه نوع من المبالغة لشد الانتباه لأهمية الإدارة, وبعد التحاقي بالعمل وممارستي الأعمال الإدارية واحتكاكي بالشركات الأجنبية, والدورات الإدارية وما وقفت عليه خلال المشاركات والملتقيات الإدارية وغيرها.. اتضح لي حقيقة الإدارة وشموليتها وأهميتها, وأن مقولة إن (88 في المائة من فشل المشاريع بسبب سوء الإدارة) تعكس الواقع, بل إن الإدارة أشمل من هذا فالإدارة بمفهومها الشامل ابتداءً من القيادة وإدارة الحكومات والشركات, وإدارة المشاريع, وإدارة الأفراد، وتنفيذ الأعمال, وكل هذه الأمور من مهام الإدارة ومسؤوليات الإدارة, فحقيقة الإدارة مسؤولة عن كل شيء. إذن ليست النسبة 88 في المائة بل تصل إلى 100 في المائة!
إذن الإدارة هي سر نجاح أشخاص وفشل آخرين, وسر نجاح شركات وفشل غيرها, بل سر نجاح دول وفشل غيرها. وهذا هو ما يتطابق مع مقولة الخبير الدولي الذي قال (لا توجد دول متقدمة ودول متخلفة، بل توجد دول متقدمة إداريا ودول متخلفة إداريا).
إذن وبعد أن وقفنا على سبب التقدم والتخلف وهو الفهم والتطبيق الإداري الصحيح فعلينا أن نستثمر كثيرا من الفكر وليس فقط المال في تحقيق النجاح الإداري المأمول الذي يعود بالنفع علينا وعلى وطننا.
كنا ذكرنا في المقال السابق أهمية الثقافة الإدارية، والفكر الإداري، وأوضحنا أن الثقافة الإدارية غرس وتربية ومعايشة لسلوكيات وقيم يجب تعزيزها وتربية الجيل عليها، وسنتحدث هنا عن الفكر الإداري وهو مفهوم أوسع واشمل للإدارة، منها أمور لها أولوية وأهميه قصوى في دفع عجلة العمل أو تعثره ويتطلب وضوحها قبل أي عمل إداري ولعل من أهم هذه الأمور:
أولا: تحديد الأدوار والمسؤوليات ووضوحها بين الجهات التي ستقوم بالعمل وعلاقتها ببعضها بعضا.
ثانيا: تحديد أهم المهام والمسؤوليات لمن هم على هرم الجهاز من وزير وغيره.
ولإيضاح أكثر سنعطي بعض التفصيل في هذا, ففيما يخص تحديد الأدوار والمسؤوليات بين الجهات المناط بها القيام بالعمل من الأهمية بمكان.
1- تحديد المسؤوليات بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص.
2- تحديد المسؤوليات بين الجهات الحكومية من وزارات وغيرها (التشريعية والتنفيذية).
2- تحديد المسؤوليات بين القطاعات داخل الجهاز الحكومي نفسه.
4- تحديد المسؤوليات الإدارية من أعلى الهرم الإداري تدرجاً حتى الوصول إلى أصغر موظف.
5- أهمية وجود نظام لكل خدمة ولكل قطاع واضح ومرجعية سهلة ومرنة لمعالجة أي معوقات بما يسهم في سرعة الإنجاز وتوفير الوقت وراحة المواطن والمقيم.
أما فيما يخص ثانياً تحديد أهم المهام والمسؤوليات لمن هم على هرم المسؤولية من وزير أو غيره, فقد كنا قد ذكرنا أن من أكثر المعوقات الإدارية انشغال المسؤولين بأعمال روتينية بسيطة الأصل أن يقوم بها من هم أقل مسؤولية ومثل هذه الأعمال تتسبب في انشغالهم عن مهامهم وأدت إلى تعطيل العمل، وأصبح غيرهم من الموظفين يقومون بأعمال سكرتارية وتتعطل أدوارهم، بدلا من القيام بمهامهم ومسؤولياتهم التي لن يستطيع القيام بها سواهم.
ولهذا تبرز بقوة أهمية تحديد المهام والمسؤوليات لمن هم على هرم المسؤولية وسنذكر هنا بعضا منها توضيحا وليس تحديدا.
1. رسم استراتيجيات وتوجهات المرفق ووضع الأهداف والخطط اللازمة له والمبادرات لتحقيقها.
2. اختيار الشخص المناسب للعمل المناسب وذلك بمعرفة المهام والمسؤوليات، وكذا قدرات موظفيه والاهتمام باختيار الذين يملكون الكفاءة للقيام بهذه المهام.
3. متابعة هذه الأمور بشكل دوري مع مرؤوسيه كل فيما يخصه والوقوف على أي قصور ووضع الحلول اللازمة لمعالجته, والمتابعة من أهم أسس نجاح العمل كما جاء عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يسأل الرعية (أرأيتم أن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أكنت قضيت ما علي؟ قالوا نعم، قال لا حتى انظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا) رحمه الله رضي الله عنه كان قائدا ملهما.
4. العمل على القضاء على أي معوقات تحول دون تحقيق هذه الأهداف سواء كانت:
- عدم وجود إمكانات مادية.
- معوقات إدارية مثل صلاحيات أو غيرها.
- تداخل صلاحيات ومسؤوليات بين قطاعات المرفق.
5. العمل على تمكين موظفيه من القدرة على القيام بمسؤولياتهم من خلال إعطائهم الصلاحيات، التدريب، التطوير وعقد الاجتماعات الدورية لمناقشة أي معوقات ووضح الحلول لها.
6. العمل مع نظرائه من وزراء وغيرهم على إنجاح البرامج المشتركة وتجاوز العقبات والازدواجية بما يحقق سرعة وتوفير الوقت والمال.
ولكن واقع الحال لدينا للأسف خلاف ذلك، نجد أن معظم المسؤولين في الجهات الحكومية وبعض مسؤولي القطاع الخاص ينشغلون بالأعمال التي هي مهام للموظفين في درجات أقل عن مهامهم التي ذكرناها، فلا هم قاموا بتنفيذ مهامهم وأعمالهم، ولا تركوا غيرهم يقومون بأعمالهم فتعطلوا وعطلوا، لذا نجد أن النتائج التي يعانيها المراجعون والمستفيدون هي خير دليل على الخلل الإداري الذي تسبب فيه عدم وضوح المسؤولية وعدم القيام بما هو مطلوب أن يقوم به، مثل هذه الأمور وغيرها أمور أخرى تتسبب في تدني الأداء وكثرة المشكلات التي يعانيها الموظفون وبالتالي ينعكس هذا على جودة العمل وتتعطل المصالح وتبرز المشكلات التي تشغل الجميع عن أداء أعمالهم وتصبح بيئة العمل بيئة طاردة وليست بيئة عمل منتجة إذن ما العلاج أو الحل؟
هذا ما سأتطرق له في المقالات المقبلة, من خلال استقراء كتاب جيد قرأته في هذا تحت عنوان: (لماذا لا يقوم الموظفون بما ينبغي لهم القيام به, وما العمل حيال هذا) لمؤلفه فرديناند موريتز، وهو يطرح 16 موضوعا تلخص الأسباب التي تجعل الموظفين لا يقومون بمهامهم وطرق علاجها والوقاية التي يجب اتباعها لتلافي حدوثها.
وهذا ما سنبسط القول فيه لاحقا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي