الوحدة النقدية الخليجية بعد انسحاب الإمارات .. هل آن الأوان للمراجعة؟!
أشرت في مقال سابق لي إلى أهمية التوقيت بالنسبة إلى الوحدة النقدية، وأن علينا أن نكون متأكدين من المقدرة، من النواحي كافة، على تحقيقها في الموعد المحدد، وذلك حتى لا نفاجأ بأمر لم نحسب له حسابا، (صحيفة الاقتصادية 22/1/1430هـ)، وما خروج دولة الإمارات من ركب الوحدة النقدية، وخروج عُمان قبلها، إلا من الأمور التي لم تكن تخطر على بال أحد، خاصة وقد قطعت دول الخليج، ممثلة في مجلس تعاونها، شوطا كبيرا في مشوار الوحدة، وخاصة أن الإمارات لم تسق سببا كافيا للانسحاب عدا مسألة مقر البنك المركزي، الذي كانت تطالب به، والذي سبق أن أشرنا إلى أنه لا ينبغي أن يكون محل خلاف كبير.. وهذا هو ما يجعلنا غير فاقدي الأمل في مراجعة الموقف من قبل كل الأطراف، سعيا إلى عودة الإمارات إلى حظيرة الوحدة، لما لها من ثقل اقتصادي في المنطقة، حيث يشكل حجم اقتصادها ما لا يقل عن ربع حجم اقتصاد المنطقة، فضلا عن أنها كانت الداعية والداعمة دوما إلى تذليل العقبات والتقارب في كل الشؤون..! وخروجها من الوحدة سيضعف من القوة التفاوضية للكتلة الاقتصادية الخليجية ككل أمام التكتلات الاقتصادية العالمية، فضلا عن إضعافها للقوة التفاوضية للإمارات نفسها أمام جيرانها، وأمام الكتل الاقتصادية الأخرى، ولا يتصور المواطن الخليجي أن تقوم وحدة نقدية بدون الإمارات، أولا لمكانتها وثقلها الاقتصادي، وثانيا لأنها الأسرع في شد انتباه هذا المواطن لما يجري على أرضها، ودعوته لمشاهدة تجربتها الثرية في النمو، والتأمل فيها..!
وفي مقال آخر عن الموضوع ذاته، ذكرت أن موقف عُمان بإعلان الانسحاب مبكرا من مشروع الوحدة، ما هو إلا رسالة للتأمل والاستيعاب من قبل دول المجلس مجتمعة، أو كل على حدة (صحيفة الاقتصادية 26/12/1427هـ)، ذلك أنني كنت أزعم أن السبب الرئيس، غير المعلن، وراء انسحاب عُمان هو تشكيكها في القدرة على تحقيق الهدف في موعده، أو أن تحقيقه بهذه السرعة ربما ينشأ عنه انعكاسات سلبية ما، تمس المواطن الخليجي الذي هو المعني أساسا بالوحدة، ولهذا رأينا بعض المسؤولين عن هذا الملف، بُعيد انسحاب عُمان، يميلون إلى المراجعة المتأنية، فوزير المال السعودي رأى أن من الأفضل قطع خطوات أبطأ يجري تنفيذها بدلا من خطوات أكبر لا تقبلها بعض الدول، وربما تؤدي إلى الفشل، ولم يختلف معه محافظ مصرف الإمارات حينما ذكر أن دول الخليج مستعدة لقبول حل وسط لضمان انضمام الدول الست معا، وسنسير دائما مع أبطأ شريك (صحيفة الاقتصادية 7 و9/1/2007)، بيد أنه رغم هذا الشعور والرؤية مضت مسيرة الوحدة في طريقها مُعرضة عن أصوات المنادين بالتأمل والمراجعة..!
والآن، رغم إيمان الكل باستحالة تحقيق الهدف في موعده، ورغم ما صدر من بيانات وتصريحات وتلميحات حول ذلك، لا يزال الموعد المضروب، وهو بداية عام 2010 كما هو، على الأقل من الناحية الرسمية، لأنه محدد بقرار من الزعماء في قمة مسقط عام 2001، ولم يصدر عن القمة ذاتها، وهي صاحبة الصلاحية، ما يفيد التأجيل ونطاقه..! ومن ثم لا يستبعد بعض العقلاء أن قرار الإمارات الأخير كان ظاهره المقر، وباطنه أمور أخرى تتعلق بالموعد، وعدم الجاهزية..! إلا أن من المؤسف، على كل حال، أن تحذو الإمارات حذو من تخلف عن ركب الوحدة بعد أن قطعت فيه معظم المشوار، وهي التي كانت تنادي بضمان انضمام الدول الست، كما صرح محافظ مصرفها..!
ومن المؤسف أيضا، أنه بدلا من أن ينادي المسؤولون والاقتصاديون والكتاب إلى إظهار الخسارة التي ستصيب المشروع بسبب انسحاب الإمارات، سواء على مستوى اقتصاد الدول الأربع المتبقية، أو على مستوى الدولة المنسحبة نفسها، والنظرة التشاؤمية التي ستنظر بها شعوب المنطقة لدولها، فإنهم تنادوا إلى العكس تماما من ذلك، حيث أكدوا (أن انفراد الإمارات بسياستها النقدية لا يشكل نعيا لمشروع العملة الموحدة)، وأن (الانسحاب لن يقلل من أهمية التكامل الاقتصادي الخليجي) و(أننا مستمرون في تنفيذ خطة الوحدة النقدية).. (صحيفة الاقتصادية 26/5/1430هـ) وكأنهم مستبشرون بالقرار، أو أنه لم يفاجئهم، أو أنهم فقط مع تأييد ما كان وما سيكون..!
لا أدعي أنني أكثر حماسا من غيري للمشروع، وتعاطفا معه وخوفا عليه، بل إنني مؤمن بأن كل مواطن مفعم بحب الخليج والانتماء إليه، يتمنى أن يختفي من حياته سريعا ذلك اليوم الذي يخجل فيه من الوقوف أمام الصرافين في كل مطار يحط فيه من مطارات الخليج لتبديل العملة، غير أن المعطيات المشاهدة على ساحة الواقع الآن تؤكد استحالة الالتزام بالموعد، وهي فرصة لمن بيدهم الأمر لمراجعة المواقف، والتسلح بالشجاعة لمواجهتها، والاعتراف بها، آخذين في الاعتبار أهمها مثل:
1- أن توحيد العملة ليس مقدما، في نظر المواطن، على الركائز الأساسية التي يجب أن تسبق ذلك، ويرى ذلك المواطن أن تفعيل واستكمال تطبيق اتفاقية الاتحاد الجمركي، واتفاقية السوق المشتركة، مثلا هما أهم في الوقت الحاضر له من العملة الموحدة.
2- أن تذليل الصعوبات التي ما زالت تعترض حرية الانتقال بين بلد وآخر، حتى بعد الاعتراف بالهوية الوطنية، كوسيلة للانتقال، هو الآخر مهم لتكامل البنية التحتية لقيام الوحدة النقدية، وما دام أن المواطن ما زال يقف بالساعات على حدود كل دولة يريد دخولها، فإنه لن يهتم بغير تسهيل هذا العبور، لكي يغدو مثلما هو في محيط الاتحاد الأوروبي، حيث لا يقتصر التنقل للمواطن فيه بحرية على مواطنيه، بل يشمل كل زائر لحظة عبوره حدود أي دولة عضو فيه..!
3- باختصار، إن ترحيل تاريخ إصدار العملة إلى ما بعد خمس سنوات، على الأقل، هو الخيار الأنسب المتاح في الوقت الحاضر، لما سيجلبه من فوائد أهمها استكمال بناء وتطبيق متطلبات الوحدة، كما ذكرنا، فضلا عن أن ذلك سيتيح الفرصة للدول المنسحبة لمراجعة مواقفها، ويشجع الدول الأخرى على الحوار معها ومحاولة إقناعها بالعودة.