مفتاح الاستثمار الناجح: حارِب الجشع والخوف

سؤال: ما مفتاح الاستثمار الناجح؟
الحقيقة أن هذا من أكثر الأسئلة التي أتلقاها (خصوصاً في الفترة الأخيرة مع تذبذب الأسواق المالية). وقد استوقفني هذا السؤال طويلاً لاتساع مجاله وشموليته وصعوبة الإجابة عنه، ولكن بعد كثير من التفكير والبحث، وجدت أن مفتاح الاستثمار الناجح يمكن تبسيطه إلى محاربة غريزتي الجشع والخوف وعدم الانقياد لهما.
فالكثير يؤمنون أن عالم الاستثمار تسيطر عليه غريزتان أساسيتان هما الجشع من ناحية، والخوف من ناحيةٍ أخرى. والمستثمر الناجح هو ذاك الشخص الذي يستطيع الموازنة بين هاتين الغريزتين باستمرار دون أن تطغى إحداهما على الأخرى، ولا شك أن هذا ليس بالأمر السهل، حيث تزداد غريزة الجشع في الأسواق الصاعدة، بينما تسيطر غريزة الخوف عند انخفاض الأسواق ففي الأسواق الصاعدة ينادي المنادون بأن “الأمور كلها فلّة وما يردّك إلا السماء!" لينسى المستثمرون أو يتناسون غريزة الخوف وما يصاحبها من الحرص على التقييم المناسب والبحث عن القيمة الجيدة في الاستثمارات، ومن ثم ينقادون لغريزة الجشع بينما في الأسواق المنخفضة يقول القائلون إن "الوضع كله دمار وما يردّك إلا القاع!" مما يقود المستثمرين لنسيان الجشع تماماً والانقياد للخوف والإحباط، فكأنما العالم سينتهي غداً.
ومن أبرز الأمثلة على غريزة الجشع إذا أطلق لها العنان أسواق الأسهم السعودية بين الأعوام 2002 – 2006م، حيث كان يبرر المبررون تقييمات لا واقع لها ولا سلطان محتجين بأن ارتفاع أسعار البترول والنهضة الاقتصادية في البلد جعلا "الأمور كلها فلّة ومايردّك إلا السماء!". الشيء نفسه حصل في السوق الأمريكي بين الأعوام 1999- 2000 عندما بدأت الضجة عن معجزة الإنترنت التي ستغير كل ما في العالم، بما في ذلك مفاهيم تقييم الاستثمارات، "فالأمور كلها ستكون فلّة وما يردّك إلا السماء!" بل إن من أكثر الكُتب مبيعاً ذلك العام كان بعنوان (مؤشر داوجونز على 36,000) على الرغم من أن المؤشر كان بالكاد قد تجاوز 10,000.
كذلك الحال بالنسبة للخوف، ففي عام 1987م حدث انهيار كبير في سوق الأسهم الأمريكية ومن ثم أخذ الناس بتناقل الحديث أن هذا الانهيار "الوضع كله دمار وما يردّك إلا القاع!" بل إن مجلّة (تايم) الأمريكية وضعت الانهيار على الغلاف قائلة إن "العالم اختلف إلى الأبد." بالطبع الأيام دارت والسوق عاود صعوده والقائلون إن الوضع "تغير إلى الأبد" عادوا للاستثمار كعادتهم. كما أن الخوف سيطر أيضاً في عام 1990 (مع أزمة بنوك الادخار والإقراض في الولايات المتحدة)، وفي عام 1998 (مع انهيار أسواق آسيا ومن ثم أوروبا الشرقية وروسيا)، ثم في عام 2000 (مع انهيار فقاعة أسهم الإنترنت) وعام 2001 (مع الهجمات على مركز التجارة العالمي)، في كل مرّة يحس الناس أن القيامة تقوم أمامهم وأن الأمور هالكة لا محالة فيفقدون الأمل تماماً. وبعد فقدانهم الأمل بقليل يتعافى السوق فيذهب الخوف وتبدأ الدورة من جديد. بالطبع هناك دائماً من يقول في كل فورة أو كل انهيار إن "الوضع هذه المرة مختلف عن أي وقت مضى" ولكن هذه المقولة عادة ليست إلا إحدى صور الجشع المستفحل أو الخوف المخيّم. والأمر نفسه يحصل اليوم مع انهيار فقاعة القروض العقارية في الولايات المتحدة وما تبعها من أزمات اقتصادية، وانخفاض في أسواق الأسهم العالمية (بما فيها أسواق الخليج).
وللأسف الشديد، مع تزايد المعلومات اللحظية والتغطية الإعلامية لأسواق المال أصبحت هذه النوبات من الجشع والخوف أكثر تأرجحاً من أي وقت مضى، وذلك بسبب تعرض المستثمرين الجماعي لوسائل الإعلام التي أصبحت في كثير من الأحيان تؤجج عقلية القطيع مما يترك متّسعاً ضيّقاً لتنوع الآراء حيال السوق والاستثمار.
ولكن بعيداً عن ردّات الفعل اللحظية، دعونا نلقي نظرة على أداء سوق الأسهم السعودية على المدى الطويل فخلال الأعوام العشرين الماضية (أي منذ عام 1988 إلى نهاية 2008) سنجد أن سوق الأسهم السعودية (وحتى بعد الهبوط الحاد في الأعوام الأخيرة) قد حقق معدل عائد يبلغ 8.8 في المائة سنوياً، أي أكثر من معظم الأسواق الاستثمارية الأخرى كسوق الأسهم الأمريكية (6.0 في المائة سنوياً) أو سوق الودائع والمرابحات الشرعية منخفضة المخاطر (3.2 في المائة سنوياً). هذا بدوره يعني أن من استثمر 100 ريال في 1988 كان سيجني أكثر من 500 ريال (أو أكثر من خمسة أضعاف الاستثمار) في نهاية 2008. والرسم البياني التالي يوضح أداء سوق الأسهم السعودي بالمقارنة بعدد من الفئات الاستثمارية الأخرى خلال تلك الفترة.

ولكن في هذا الصدد قد يسأل سائل: "إذا كان التيار العام لسوق الأسهم السعودي وللأسواق بوجه العموم هو الصعود، فلماذا يصاب كثير من المستثمرين بخسائر فادحة؟" الجواب هو أنه نظراً لغريزتيّ الجشع تارة والخوف تارة أخرى، فالمجتمع الاستثماري غالباً ما يتأثر بالأخبار والتقلبات على المدى القصير فـ"يطير بالعجّة" ولا يتمكن من النظر للمسألة من منظور أطول فإذا ظهرت أخبار جيدة قفز في السوق بيَديه ورِجليه قائلاً "ما يردّك إلا السماء!" وينسى أي مخاطر، أما إذا ظهرت أخبار أو فترات سيئة أحس بأن العالم سينتهي غداً وأن الأسواق ستنهار لا محالة. ومن ينجرف بهذا التيار العارم من الجشع تارة والخوف تارة أخرى ينتهي به الحال عادة لأن يستثمر في أوج الصعود وينسحب في الحضيض، الأمر الذي يكبّده خسائر فادحة.
في هذا العالم المتأرجح ماذا عسى أن يفعل المستثمر الفرد؟ وكيف له أن يتمسك برباطة جأشه في مواجهة الجشع والخوف؟ إن أبرز ما سمعته في هذا الصدد هو قولٌ لأسطورة الاستثمار (وارين بافيت) أن الاستثمار هو كالدخول في شركة مع شريك مصاب بمرض الفصام، ففي بعض الأيام يكون منتشياً ولا يرى السيئ في أي شيء فيرغب بشراء حصتي بثلاثة أضعاف قيمتها، وفي أحيان أخرى يصاب بالاكتئاب حتى يقارب الانتحار فيرغب ببيعي حصته بثلث قيمتها، وكل ما علي كمستثمر جيّد هو السماح له بذلك، فأبيع عليه إذا انتشى وأشري منه إذا اكتأب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي