ثقافة العمل المفقودة

للمنافسة العالمية والدخول في المجتمع المتحضر الراقي المنتج والبقاء ضمن الصفوة الدولية يتطلب عديدا من التضحيات والمبادرات والالتزامات التي يمكن أن تحققها، وأول تلك المتطلبات هو معرفة مفهوم ثقافة العمل وممارسته ضمن حياتنا اليومية وفقا للضوابط التي تحقق النجاح والتفوق والاستمرار فيه.
العالم اليوم يعيش مخاضا مهما وخطيرا نحو تحقيق الاستقرار السكاني الصحي والاقتصادي والأمني, هذا المخاض لا يمكن أن يتحقق إذا لم تستوعب جميع دول العالم المفهوم السليم لثقافة العمل والالتزام بمتطلباتها.
كما لا تستطيع أي دولة مهما بلغ ثراؤها أن تنافس على بقائها وديمومتها ما لم تعتمد بشكل مباشر على سواعد أبنائها، وزرع أهمية العمل فيهم وحبه والانتماء له والالتزام بثقافته وأخلاقياته وواجباته.
وعندما تتقدم الدولة وتسعى لوضع قدم لها في المجتمع المتحضر وتحاول المنافسة على البقاء واستمرار العطاء، يصبح الاهتمام بالعمل والالتزام بأدبياته وأخلاقه أمراً ضرورياً.
وعند النظر إلى ما نحن فيه اليوم نجد ومع الأسف الشديد الأعداد الكبيرة من العاملين في مختلف القطاعات لا يولون أعمالهم جل اهتمامهم بل على العكس من ذلك نجد عديدا منهم يصبح عملهم والالتزام به وإنجاز ما يوكل إليهم من أعمال تحتل المراتب الدنيا في أولويات يومهم العملي، حيث يكون الاهتمام بالالتزامات الأسرية والاجتماعية والشللية على قائمة أولوياتهم، القليل منهم الذي يحاول أن يضع رؤية للقادم من أيامه ومستقبله. قمة الطموح هو قتل الوقت فيما لا فائدة منه، يغلب على هذا النوع من العاملين هدر الوقت في الأحاديث الجانبية أو إنهاء بعض الأعمال الخاصة، بل قد يصل بالبعض منهم وفي قمة الاستهتار إلى القيام ببعض متطلبات بيته أثناء وقت العمل.
تشير بعض الدراسات إلى أن ما يقضيه العامل منا في مكتبه وإنجاز ما يوكل إليه من أعمال لا تتجاوز الـ 35 دقيقة في اليوم وباقي الوقت المخصص للعمل والذي يراوح بين سبع وثماني ساعات يذهب هدرا في قضايا وأمور لا تتصل بالعمل.
إن الالتزام بأخلاقيات العمل والحرص على تطوير القدرات الذاتية وانتماء العامل إلى عمله وتفاعله مع واجباته ومسؤولياته هو المحفز الأساسي لبناء القدرات البشرية القادرة على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية السليمة وإيجاد بيئة العمل الصالحة والمنافسة محلياً وعالمياً.
إن التحدي الذي نواجهه اليوم بعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية يتطلب منا جميعاً تضافر الجهود والتركيز على بناء الإنسان البناء الصحيح، لأن الاتكالية والانعزالية وعدم المبالاة والنظرة القاصرة للكثير منا والركون إلى العمل الحكومي كضمان اجتماعي ستوجد مجتمعا ضعيف العطاء قليل الخبرة غير قادر على المنافسة على المستويين الإقليمي والعالمي.
إن ثقافة العمل تتطلب الالتزام الكامل بساعات العمل والحرص على إنجاز الأعمال وتنظيم الوقت، لأن الوقت والإنجاز معياران أساسيان في تقويم الأداء ورفع الإنتاج، ثم تأتي الأهمية الأخرى في مجال الرفع من مستوى الأداء بالاحتكاك والتدريب سواء على رأس العمل أو في مختلف بيوت الخبرة.
إن المتأمل الصادق اليوم لسلوكيات العمل لدينا ليصاب بالإحباط والقلق الشديدين على مستقبل تطوير مؤسساتنا في مختلف القطاعات وقدرتها على المنافسة أو البقاء، لأن الوقت يهدر والأعمال تؤجل والكثير من الحقوق تضيع في دهاليز الإجراءات والمماطلة والروتين وعدم التواجد الملزم لإنجازها.
إننا نحتاج إلى إعادة النظر في كيفية تقويم الأداء وأسلوب المتابعة والرقابة ومعالجة الخلل من خلال معرفة مسبباته العملية والاجتماعية، وإعادة روح المنافسة والإبداع للعاملين في مختلف القطاعات والقضاء على الترهل والتضخم الوظيفي غير المنتج.
وقفـة تأمــل:

أمجرب فهم الحياة وصرفها
وأفاد منها طارفا وتليدا
هل شيدت صرح السيادة أمة
لم تتخذ فهم العلوم رصيدا
ليس الحياة كما توهم جاهل
عيش الكفاف ومستوى محدودا
لهفي على الإسلام من متزمت
جعل الديانة ذله وجمودا
أومن شباب جاءه متأخرا
بخلاعة يدعونها تجديدا

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي