لتنافس في ظل الاستراتيجية الصناعية

تابعت بشغف كبير وباهتمام واسع موضوع الاستراتيجية الصناعية التي تم الكشف عنها خلال الفترة الماضية، وكم أفرحني كثيراً الأبعاد التي تناولتها الاستراتيجية وطريقة تفكير أصحاب القرار لتحويل المصادر الطبيعية إلى موارد تدعم التنمية المستدامة المراد تحقيقها. ولعمق الخطة وأهدافها المترامية، فإنها تحتاج إلى خطط تنفيذية واضحة لكل بند في الاستراتيجية، كما أنها تحتاج إلى قدرة إدارية كبيرة في كل ميدان من هذه الميادين.
ومن خلال هذه المقالات سأقوم باستعراض بعض الاستراتيجيات التي لازمت تفكيري وقتاً طويلاً خلال فترة عملي في صندوق التنمية الصناعي، وعملي كمدير للاستثمار وتطوير الأعمال في إحدى الشركات الوطنية المستثمرة في القطاع الصناعي، وكل أملي أن تكون هذه الاستراتيجيات مفيدة للمسؤولين عن الاستراتيجية الصناعية، ولكل رجال الأعمال الصناعيين والمهتمين بهذا المجال.
وقبل أن أبدأ بشرح الاستراتيجيات، علينا أن نعرف ما الميزة التنافسية التي نتميز بها عن بقية العالم Competitive Advantage، وما القدرة التنافسية التي ستجعلنا في مقدمة الدول؟ الجواب الذي يجب ألا يغيب عن ذهن أي مهتم بهذا المجال، هو أن المملكة لديها القدرة على إنتاج الطاقة بأقل تكلفة ممكنة. هذا الكلام يعني أن المملكة يمكن لها أن تكون مركزاً لجميع الصناعات المعتمدة على الطاقة. فالمملكة لديها القدرة على أن تكون مركزاً لصناعات ثقيلة وأساسية تكون فيها المعادن مادة خام مثل (الحديد، الألمنيوم، النحاس،...)، وهذا بحد ذاته مجال كبير، فإذا ما وجدت صناعات أساسية كبيرة في الصناعات التي ذكرت، فإن الصناعات التحويلية المعتمدة عليها ستزدهر بشكل كبير، وسنكون مصدراً لتصدير الآلاف من المنتجات الثانوية البسيطة المعتمدة على الصناعات المستهلكة للطاقة. وإذا ما أردنا أن نكون أكثر فاعلية في السيطرة على هذه الصناعات، فإنه يجب دعم القطاع التعديني ليكون رافداً مهماً لهذه الصناعات الأساسية. كما يجب على الشركات المستثمرة في هذا المجال أن تستثمر في التعدين داخل المملكة وخارجها أو تعقد علاقات عميقة مع الشركات التي لديها القدرة على الوصول إلى مصادر الثروة التعدينية في العالم. إن حملة دعائية عالمية توضح هذه القدرة التنافسية للمملكة كفيلة بأن تأتي برؤوس الأموال من كل مكان لتصب في اقتصاد المملكة.
أما الميزة التنافسية الثانية وهي توافر المواد الأساسية الداخلة في تصنيع البتروكيماويات. فإنه مما لا شك فيه أن المملكة تعقد آمالاً كبيرة حول هذه الصناعة لتكون إحدى الدول الرائدة في العالم في هذه الصناعة، وقد خطت خطوات جبارة في هذا المجال منذ إنشاء شركة سابك وإلى هذه اللحظة والنمو يعتبر ممتازاً على المستوى المحلي والعالمي لبعض المنتجات. غير أن الناظر لتطور هذه الصناعة يرى إمكانية تطوير هذا القطاع بشكل أكبر وأوسع مما هو عليه في الوقت الحالي. وأنا من الناس الذين يتوارون خجلاً عندما أرى منتجاً بلاستيكياً مستورداً بسعر أقل من سعر المنتج المصنع في السعودية، والسبب في هذا أن بعض الدول الأخرى تستغل ميزتها التنافسية التي تتفوق بها علينا، أما نحن فلم نستغل هذه الميزة التنافسية بالشكل الكامل. فشركات البتروكيماويات السعودية الكبرى تبيع منتجاتها لزبائنها في المملكة بالسعر العالمي مع أنها تأخذ اللقيم بسعر أقل بكثير من السعر العالمي، والفضل في هذا يرجع للدعم الحكومي لها بتوفير اللقيم بهذا السعر، وبهذه الطريقة تحقق أرباحاً كبيرة ولكن مردورها يكون فقط محصورا على هذه الشركات وهذا حسن، غير أنه يمكن تمرير هذه الميزة التنافسية لتشمل الشركات البتروكيماوية الصغيرة Down Streem وذلك بأن تبيع الشركات البتروكيماوية منتجاتها للمصانع السعودية بحيث تحصل هذه الشركات على سعر أقل من السعر العالمي، فيتضاعف إجمالي الناتج المحلي السعودي أضعافاً مضاعفة بسبب الزيادة في القيمة المضافة، وتزيد نسبة توظيف السعوديين بشكل أكبر مما هي عليه الآن،هذا إضافة لزيادة عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة المستثمرة في هذا المجال الحيوي وتبقى شركات البتروكيماويات تسجل أرباحا وإن كان أقل من السابق بقليل.
أما النقطة الأخرى المرتبطة بهذه الصناعة، فلكي نحافظ على التفوق في هذا المجال فإنه يجب امتلاك التقنية المكونة لهذه المصانع وطرق صيانتها، ونقل التقنية بشكل أكبر مما هو معمول به الآن في معظم عقود البناء والتشغيل. ولو يعلم المستثمر أن العائد على تملك التقنية أكبر من الأرباح التشغيلية لعدة سنوات لما فرط في هذا الموضوع. فتملك التقنية سيفتح أبوابا أوسع في التوسع في الإنتاج بسعر أقل مستقبلاً، كما أنه سيتيح له القدرة على بناء التحالفات الكبرى في هذه الصناعة مع غيره من الشركات الموجودة في مناطق أخرى والوصول لمصادر الموارد الطبيعية بشكل أعمق وأكثر مردوداً من مجرد أخذ رخصة التصنيع فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي