المخدرات.. هل حانت الانتفاضة الاجتماعية؟
هناك خطر قديم يتجدد ويهدد مجتمعنا.. ويتطلب وقفة حازمة وشاملة، كما حدث ويحدث مع خطر الإرهاب، إنه خطر توسع إدمان المخدرات!
الأجهزة الأمنية، والأجهزة المختصة بمكافحة المخدرات تبذل جهودا مكثفة لمحاربة هذا الخطر الداهم، ولكن مهما كانت جهودها مركزة ومكثفة فإنها لن تستطيع محاصرة المشكلة كاملة، فالمعروف عالميا أن جهود الضبط والمكافحة لا تنجح إلا في احتواء ربع المشكلة، هذه حقيقة علينا إدراكها وتفهمها.. حتى لا نظن أن الأجهزة الأمنية قادرة وحدها على التصدي للمشكلة، وبالتالي ننام قريري الأعين دون أن نفكر، أفرادا ومجتمعا بما هو مطلوب منهم تجاه محاربة المخدرات.
القريبون من جهود مكافحة المخدرات قلقون من تنامي ظاهرة تعاطيها خصوصا بين الشباب وحتى بين طلاب المدارس الابتدائية، وهذه الشريحة العمرية معروف أنها مستهدفة من قبل تجار ومروجي المخدرات في أغلب المجتمعات، لأن هذه الفئة تكبر على الإدمان وتتحول إلى زبون دائم حتى تفتك به الأمراض وتنتهي إلى الموت.
وكمؤشر على استهداف هذه الفئة، أخيرا نجحت جهود المؤسسات الأمنية بالكشف عن شبكة محلية مرتبطة بجهات خارجية تعمل على تهريب أقراص (الكبتاجون) المخدرة للمملكة، وتم ضبط (مليوني) قرص من الكبتاجون معدة للترويج في أوساط صغار السن والشباب، حسبما جاء في بيان لوزارة الداخلية عن العملية، وهذه الكمية المضبوطة عادة تشكل ما يقارب 20 في المائة من الكمية المهربة والمتاحة للتداول.
هذه الكميات الكبيرة من الأقراص المخدرة والموجهة لصغار السن تتطلب (انتفاضة اجتماعية) توازي الانتفاضة التي شهدناها لمواجهة الإرهاب، فالمجتمع هو الذي تصدى للظاهرة ودعم جهود المؤسسات الأمنية، وهنا يأتي دور المسؤولين في الدولة، إذ عليهم الخروج إلى الرأي العام لتوضيح خطورة أوضاع المخدرات ومطالبة الناس بالمساندة والمؤازرة، والناس لن يدركها القلق من أوضاع المخدرات، إلا إذا دُعيت إلى المشاركة بشكل صريح، كما حدث مع ظاهرة الإرهاب.
إننا نجزم أن مجتمعنا مستهدف في أمنه واستقراره، وضرب شبابه هو المسار الأمثل لتحقيق هذه الغاية، وقد تحقق ذلك مع الإرهاب، والآن انتقلت الجهود المدمرة إلى المخدرات، وشبابنا هدف مثالي لجهود التخريب فلدينا (قوة شرائية) جيدة، بالإضافة إلى أن المجتمع يعيش (حالة اغتراب) عن الشباب.
وظاهرة تباعد المجتمع عن شبابه تعمقت واتسعت مع توسع انتقال العائلات من الهجر والأرياف إلى المدن، فظاهرة الانتقال هذه أخلت بالأدوار التقليدية للأسرة، فلم تعد الأسرة الحاضن الطبيعي والموجه والمربي للشباب، كما أن المجتمع المدني لم يقم بدور المؤسسة التي تسد الفراغ، وحتى (المدارس) لم تقم بدورها المأمول في الضبط والتربية والتنشئة الاجتماعية، ومع الأسف إنها – أي المدارس – لم نستثمرها بالشكل الأمثل لتربية الشباب، بل هي أحد مصادر اختراقهم نفسيا وفكريا واجتماعيا.. والآن هي معبر لترويج المخدرات!
إننا نحتاج إلى برنامج وطني ينفذ عبر خمس سنوات ويكون هدفه الأسمى (المملكة.. دولة بلا مخدرات عام 2015)، وهذا الهدف نراه قريبا، إذا صدقت النية وكانت النفوس كبارا في مواجهة التحديات، وبعد الإرهاب، الآن المخدرات هي التحدي الأكبر للدولة والمجتمع.