تأخر سن الزواج للفتيان والفتيات مدعاة للفساد!!

نشرت صحيفة "الجزيرة" في عددها الصادر بتاريخ 5/5/1430هـ، تحقيقا حول تأخر سن الزواج للفتيات في المجتمع السعودي، ورد فيه أن هناك 1.5 مليون فتاة عانس، وأن توزيع هذا العدد على مناطق المملكة يأتي على النحو الآتي: (منطقة مكة المكرمة 400.000، منطقة الرياض 327.000، المنطقة الشرقية 230.000، منطقة عسير 130.000، منطقة المدينة المنورة 96.000، منطقة جازان 84.000، منطقة القصيم 74.000، منطقة الجوف 5219، منطقة حائل 43.000، منطقة تبوك 37.000، منطقة الحدود الشمالية 21.000)، ومع أن التقرير لم يورد إحصائية لتوزيع السكان على مناطق المملكة، أو نسبة الأرقام المذكورة إلى أعداد الفتيات اللاتي بلغن سن الزواج في كل منطقة، لأنه لو ذكرها لوجدنا أن ثمة عوامل كثيرة تسهم في تأخير زواج الفتيات، مثل ارتفاع مستوى التعليم والتحضّر، ومستوى المعيشة، ولوجدنا أن سن الزواج ينخفض كلما كانت الفتاة تعيش في مجتمع محافظ متماسك، والعكس صحيح، ولوجدنا تفسيرا لانخفاض عدد العوانس في منطقة مثل القصيم، ومنطقة مثل الجوف، باعتبارهما منطقتين يغلب على مجتمعهما الطابع الأسرية المحافظ، أكثر من غيرهما! .., وما تزال فيهما الروابط الأسري والدينية ماثلة، وهو ما يجعل أهلهما يحرصون على تزويج بناتهم في السن المعتاد للزواج، ومنهم من لا يمانع في أن تتزوج ابنته رجلا متزوجا بأخرى، وبعكس ذلك نجد أن عدد العوانس في منطقة مكة المكرمة يفوق المناطق الأخرى..! ولو عدنا للمجتمع في المنطقة ذاتها لوجدناه يحيل الأسباب إلى عوامل مثل النسيج الاجتماعي، وتعدد مصادره، وغلبة الطابع التحرري فيه، فضلا عن نبذه عادة التعدد في الزواج!...
وعلى كل، فهذا التقرير فتح الباب للحديث عن مشكلة من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع بكامله، وإن اختلف تأثيرها بين منطقة وأخرى، كما ذكرنا، رغم أنه لا يوجد تعريف متفق عليه لسن العنوسة، أو متى يقال إن الفتاة أصبحت عانسا! .., إلا أنه في وقتنا الحاضر، يكاد الناس يتفقون على أن الفتاة توصف بالعانس متى تخطت سن الثلاثين دون زواج! ..., ولكن ما الذي يجعلها تتخطى هذا السن دون زواج؟!., والشباب يتقاطرون على بابها منذ سن العشرين أو قبله؟!..
إن الإجابة عن هذا السؤال ستقودنا إلى واقع مؤلم لم نكن مسؤولين عنه، أو مهيئين له، واقع هجم علينا وقلب حياتنا رأسا على عقب، واقع أضعف فينا رابطة الدين والأسرة، والمجتمع والأخلاق، واقع فقد فيه الفرد حماية الأسرة، وفقدت فيه الأسرة حماية المجتمع، وأصبح الكل يهيم وكأنه في غابة تسكنها الوحوش، واقع انسلخ من قيمه، بعد أن طغت عليها الماديات!...
ولزيادة التوضيح فيما يتعلق بتأخر سن زواج الفتيات أقول:
1- رغم تضخم المجتمع وتداخله وتعقد مساراته، فإنه لا يوجد قنوات آمنة للتوفيق والتقريب بين الرؤوس للزواج! .., وفي مجتمع كهذا يصعب التعرف على البيوت التي فيها فتيات في سن الزواج، أو توفير معلومات موضوعية عنهن! .., والمحاولات التي تتم في بعض المناطق لتوفير قواعد معلومات بهذا الشأن ما تزال متواضعة، وعلى مستوى فردي، يحجم كثيرون عن اعتمادها وسيلة ناجحة للتقريب، فضلا عن أن المجتمع ما زال يستعيب هذه الظاهرة.
2- أما وسيلة الخطابة، الموجودة عبر الأزمان، فقد تحولت إلى وسيلة للخداع والتضليل، وربما الاستغلال في هذا الزمان، وأصبح هدفها هو مقدار المقابل المادي، ومن ثم فهي وسيلة غير ناجحة، بدليل أن حالات الطلاق تكون أكثر في الزيجات التي تتم عن طريق الخاطبات!...
3- الهجمة (الإعمائية) ولا أقول (الإعلامية)، التي أعمت الفتيات عن واقعهن، وصورت لهن الأمور على غير حقيقتها، عبر القنوات الفضائية، والبرامج والتمثيليات الهابطة، وجعلت الفتاة تنخدع وتظن أن ما تراه هو ما يمكن تحقيقه على أرض الواقع، فتنجرف تلقائيا إلى هذا العالم الخيالي، وتبدأ في بناء أحلامها وخيالاتها عن الزواج، فتتغير ذائقتها ومزاجها تجاه الأشياء، وتبدأ برفض كل ما لا يتوافق مع ذلك، بمن فيه من يتقدم لها للزواج، منتظرة من يتطابق مع من سكن مخيّلتها، وهي تعلم، أو لا تعلم، أن من سكن المخيّلة، أشبه بتمثال من الشمع أسهمت الأحلام في بنائه، وليس ثمة وسيلة لبعث الروح فيه!..
4- عندما تتقدم الفتاة في العمر، يقل عدد من يطرقون الباب عليها، وعندها تتمنى لو عاد من طرق الباب أولا ورفضته، ثم تتمنى الثاني أو الثالث ومن بعدهم، لكن لا أحد يعود!..، وبعد أن كان في يدها الشاب المؤهل، ذو المستقبل، تتمسك بآخر الطارقين حتى لو كان في الهزيع الأخير من العمر، ويقترن بأكثر من زوجة، آخذة بمثل إخواننا المصريين (ظل راجل ولا ظل حيطة)...
5- مع تقدم وسائل التقنية، وأهمها الاتصالات والإنترنت في المجتمع، وبروز ظاهرة الاستخدام السلبي لها، لوحظ تحول الاتجاه، حيث صارت الفتاة تبحث عن الشاب عبر هذه الوسائل، بهدف الزواج، وهو أسلوب محفوف بالمخاطر، ويعزى إليه معظم حالات التغرير بالفتيات والإيقاع بهن، ثم ابتزازهن، فضلا عن أن الشاب يحتقر الفتاة التي تبحث عنه من أجل الزواج، وينظر إليها نظرة ابتذال، ويكون همه الأول هو كيف يستدرجها ويخدعها، ويحصل على مبتغاه منها، ثم ينبذها، إن لم يهددها بالابتزاز والفضح.

وأخيرا: لتعلم الفتيات أنه لا توجد مثالية في الحياة بالمعنى الذي يتخيّلنه وأن ما يبنى على التخيلات والأوهام، ما هو إلا أضغاث أحلام، تتبخّر بعد الزواج، حتى إن حصل قبله ما يرضي المزاج!...، حتى في الغرب رغم أن معظم الزيجات تأتي بعد التعارف، والحب الجارف، فإنها ما تلبث أن تصطدم بصخرة الواقع!...، ولنا في قراءة التاريخ عبرة، عن زيجات تمت في بلاطات الملوك والزعماء، ومنهم من تنازل عن سلطانه، ففقد السلطان، ولم ينل غاية ما في الوجدان!...، والدنيا ما هي إلا أخذ وعطاء، وتنازل وتضحية، وتقديم للأهم على المهم، وتغليب للعقل على العاطفة، وترويض للنفس على قبول الممكن، وترك ما لا يمكن!...
ولتعلم الأسر أنها مسؤولة أمام الله عما أصاب الفتيات من كساد، وليس مطلوبا إرغامها على من لا تريد، بل في الإحسان في تربيتها، وتوعيتها، وإرشادها إلى ما تعمر به الحياة، وتبنى به الأسر، وهو القناعة، المدعومة بالطاعة!.، وربما عدنا إلى الموضوع، إن كان في العود ما يفيد، لنتحدث عن الجانب الآخر له وهم الشباب...

والله من وراء القصد

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي