الريال وتسعير النفط بالدولار

[email protected]

تسعير النفط بالدولار يجبر الدول التي يشكل النفط المصدر الأساس للدخل فيها على ربط عملتها بالدولار، الأمر الذي يلغي فكرة فك الارتباط بين عملة الدولة النفطية والدولار حتى يتم تنويع مصادر الدخل وتخفيض مساهمة النفط في الدخل القومي. وهنا لا بد من التنويه إلى أن أغلب الدول النفطية تتبع طريق مضللة في الحسابات القومية لأنها تعد كل الصناعات المرتبطة بالنفط ما عدا أنشطة التنقيب والاستخراج والتصدير ضمن القطاع الصناعي، وليس ضمن القطاع النفطي.
على الرغم من أن تسعير النفط بالدولار يمنع فك ارتباط العملة المحلية بالدولار لأسباب اقتصادية بحتة، إلا أنه لا يمنع رفع أو تخفيض العملة المحلية، علما أن المنطق يحتم عدم الخلط بين موضوع رفع الريال وموضوع فك ارتباط الريال بالدولار لأن من يدعو إلى رفع الريال يقبل ضمنياً الارتباط بين العملتين. كما يحتم عدم الخلط بين ما حصل في الكويت وبين ما يمكن أن يحصل في السعودية لأن الأهداف من رفع قيمة العملة في السعودية تختلف تماماً عن الأهداف التي رمت إليها الكويت. إضافة إلى ذلك فإنه في الواقع لم تقم الكويت بفك ارتباط عملتها بالدولار لأن الدولار يحتل نصيب الأسد من السلة التي ترتبط بها العملة الآن. أما الإعلان الأخير عن انخفاض التضخم فإنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن ينتج عن التحول من الربط بالدولار إلى الربط بالسلة لأسباب عديدة, منها: أن الارتفاع في قيمة العملة الكويتية بالنسبة إلى الدولار كان طفيفا جدا لدرجة لا تكاد تذكر، ومنها انخفاض الإنفاق المحلي مع هجرة العائلات الكويتية إلى الخارج وعودة الوافدين إلى ديارهم خلال فترة الصيف، ومنها انقطاع الكهرباء أو احتمال انقطاعها بسبب تعدد حوادث الانقطاع. وهنا لا بد من تأكيد أن نسبة الهجرة من الكويت خلال فصل الصيف بالنسبة إلى عدد السكان تبلغ أضعاف هذه النسبة في السعودية.

شروط العملة التي يسعر بها النفط
إذا كان تسعير النفط بالدولار هو سبب المشكلة، وإذا كانت مؤسسة النقد لا تفضل حالياً رفع قيمة الريال بالنسبة للدولار، هل يمكن حل المشكلة عن طريق تسعير النفط بغير الدولار؟
هناك شروط أساسية يجب أن تتوافر في العملة التي يجب أن يسعر فيها النفط, أهمها السيولة واستقلالية الهيئة التي تتحكم في هذه العملة. هذه الشروط لا تتوافر في الريال أو أي عملة عربية. فالتجارة العالمية بالنفط شهريا تتجاوز الموازنة السنوية لأكثر الدول النفطية، التي تتطلب كما هائلا من السيولة لا يمكن لأي دولة نفطية أن توفرها. إضافة إلى ذلك فإنه من المعروف أن البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفيدرالي) يتمتع باستقلالية لا تتوافر حتى في الدول الأوروبية. فالبنك مستقل تماماً عن الحكومة الأمريكية ولا يمكن لحكومة ما أن تؤثر فيه على الإطلاق. فمدة عضوية أي فرد في مجلس الإدارة, المكون من سبعة أشخاص، تبلغ 14 عاماً، وهي أطول من فترة الرئاسة (أربع سنوات) أو أي عضوية في الكونجرس (عامان) أو في مجلس الشيوخ (ستة أعوام). يقوم الرئيس الأمريكي باختيار عضو مجلس إدارة البنك، ولكن لا يمكن تعيينه إلا بموافقة مجلس الشيوخ. ولا يمكن لأي رئيس أن يعين أكثر من عضوين خلال أي فترة رئاسية لأن تاريخ تعيين الأعضاء يتم بفارق عامين، وذلك لمنع تأثير القرارات السياسية في المجرى العام للاقتصاد في البلاد. إضافة إلى ذلك فإنه لا يمكن لأي عضو مجلس إدارة أن يخدم أكثر من فترة واحدة.
لمنع السياسيين من التأثير في قرارات البنك المركزي، وتأكيدا على أن وظيفة البنك هي المصلحة العليا للبلاد، لا يستطيع الكونجرس، الذي يقر الموازنة العامة للبلاد، أن يؤثر في البنك المركزي لأن موازنة البنك مستقلة تماما عن الموازنة العامة حيث يقوم البنك بتمويل نفسه بنفسه.

لماذا استمر تسعير النفط بالدولار؟
نظراً لأن انخفاض الدولار يخفض القيمة الشرائية لصادرات النفط، فإن دول "أوبك" عانت دائماً انخفاض الدولار. رغم تكرار المشكلة وتكرار الشكاوى، إلا أن "أوبك" لم تتخذ أي خطوات عملية لتغيير العملة التي يسعر بها النفط لأسباب اقتصادية وسياسية وفنية عديدة. فتسعير النفط بغير الدولار لن يغير سعر النفط في الأسواق العالمية لأنه سيتم تحويل السعر إلى العملة الأخرى (أو السلة إذا تم التسعير بسلة) وفقاً لأسعار الصرف السائدة. إضافة إلى ذلك فإن المشكلة ليست في التسعير بالدولار، وإنما في التسعير بعملة واحدة. فمشكلات التسعير بعملة واحدة هي نفسها سواء تم التسعير بالدولار أو بالين أو باليورو أو غيرها، خاصة أن أي عملة معرضة للارتفاع والانخفاض مثلها مثل الدولار.
نظراً للحجم الهائل لتجارة الدول النفطية التي تتم بالدولار، فإن التسعير بسلة لن يسهم كثيراً في إنهاء المشكلات الناتجة عن هبوط الدولار لأن الدولار سيأخذ نصيب الأسد في السلة. وإذا افترضنا أن دول "أوبك" اتفقت على مبدأ تسعير النفط بسلة من العملات بدلاً من الدولار، فإن هذا القرار سيوسع هوة الخلاف ضمن دول "أوبك" لأن السلة ستفيد بعض الدول الأعضاء على حساب الدول الأخرى بسبب اختلاف شركائهم التجاريين. فدول "أوبك" موزعة بين آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، الأمر الذي يحتم اختلاف شركائهم التجاريين، وبالتالي اختلاف محتويات السلة.
وإذا أخذنا بقول من يرى أن تسعير النفط بالدولار هو قرار سياسي وأن الولايات المتحدة ستبذل أقصى جهدها لمنع تسعير النفط بغير الدولار، فإن هذا يعني أن هناك آثاراً سيئة على الاقتصاد الأمريكي من تسعير النفط بغير الدولار. السؤال في هذه الحالة هو: إذا كان الهدف من التحول عن الدولار هو تخفيف حدة الخسائر الناتجة عن انخفاض الدولار، ماذا سيحصل لأسعار النفط إذا تدهور الاقتصاد الأمريكي؟ من الخاسر النهائي في هذه الحالة؟
خلاصة القول أن هناك عوامل عديدة تمنع تسعير النفط بغير الدولار. طالما أن النفط يمثل المصدر الأساس للدخل في الدول النفطية فإنه لا بد من ربط عملاتها بالدولار. لذلك فإن الحديث في الوقت الحالي يجب ألا يكون عن فك الارتباط بين الريال والدولار، وإنما عن إمكانية رفع الريال وآثاره المتشعبة في الاقتصاد. طالما أنه لا توجد حتى الآن دراسة علمية واحدة تبين أن منافع رفع الريال تفوق آثار الرفع السلبية، وبما أن التحليلات الإحصائية والبيانات تشيران إلى أن ارتفاع معدلات التضخم في الفترات الأخيرة يعود أغلبه إلى عوامل لا علاقة لها بانخفاض الدولار (التي تتضمن ارتفاع السيولة في تموز (يوليو) الماضي بمقدار 21 في المائة، وزيادة القروض بمقدار 13 في المائة)، فإنه لا يتوقع رفع قيمة الريال.
إن الحل في النهاية طويل المدى ويكمن في تنمية الموارد البشرية التي ستسهم في تنويع مصادر الدخل وتنويع مصادر الواردات، التي ستسهم بدورها في تخفيف الآثار السلبية لأسعار الصرف، سواء تم فك الارتباط بالدولار أم لا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي