تفجيرات لندن الفاشلة وسياسة "التخويف من الإرهاب"

[email protected]

مرة أخرى وبعد عامين من وقوع تفجيرات لندن في السابع من تموز (يوليو) 2005، التي أودت بحياة ما يقرب من 60 بريئاً، تتعرض الأراضي البريطانية لعدة هجمات وصفت بأنها موجة إرهابية جديدة وواسعة تهدد الأمن والاستقرار فيها. وقد وصف رئيس الوزراء البريطاني الجديد جوردون براون ما يحدث في بلاده بأنه إرهاب من النوع "المؤكد وطويل الأمد"، وأكد أن الدلائل تشير إلى ضلوع تنظيم القاعدة في هذه الهجمات، متابعاً ومتحدثاً باسم مواطنيه "إننا لن نستسلم ولن نقبل التخويف ولن نسمح لكائن مَن كان بأن يقوِّض طريقة حياتنا البريطانية". وقد أتى الاتهام الأكثر وضوحاً وتحديداً لتنظيم القاعدة من مستشار رئيس الوزراء البريطاني لشؤون الإرهاب، الذي حمّل التنظيم مسؤولية العمليات الأخيرة، متهماً إياه باستخدام تقنيات مماثلة لتلك التي استخدمها في تفجيراته وهجماته في بغداد في العراق وبالي في إندونيسيا.
ومن الواضح حتى لحظة كتابة هذه السطور أنه لا توجد أي معلومات منشورة وموثقة تؤكد صحة ما ذهب إليه رئيس الوزراء البريطاني وأكده مستشاره لشؤون الإرهاب من تورط لتنظيم القاعدة في المحاولات الثلاث الفاشلة للتفجير في وسط لندن ومطار جلاسجو، سواء كان مصدرها هو أجهزة الأمن البريطانية أو المنتديات والمواقع الجهادية على شبكة الإنترنت، التي تبث عبرها القاعدة عادة العمليات التي تكون مسؤولة عنها. ومع ذلك، فلم يكن فقط رئيس الوزراء البريطاني الجديد ومستشاره، هما الوحيدان اللذان لمحا أو صرحا بتورط القاعدة في تلك السلسلة من محاولات التفجير، فقد انطلق مئات من المحللين المتخصصين والخبراء في شؤون الإرهاب والحركات الإٍسلامية المسلحة في وسائل الإعلام البريطانية والغربية لكي يؤكدوا هذا التورط ويقدموا تفاصيل مفترضة له دون تقديم أي دليل مادي رسمي على ما يقولون. وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي، احتل خبر التفجيرات الفاشلة والمجهضة العناوين الأولى لكل وسائل الإعلام الأمريكية المقروءة والمرئية والمسموعة، حيث استغله كتاب ومحللو اليمين المحافظ وبعض ممثليه في مؤسسات الدولة ليؤكدوا للرأي العام الأمريكي أن خطر الإرهاب الدموي لا يزال داهماً ومحلقاً فوق رؤوس كل الأمريكيين، وأن عليهم التحلي باليقظة التامة في مواجهته الدعم الكامل لكل سياسات وقرارات حكومتهم الداخلية والخارجية من أجل القضاء عليه.
ولعله من اللافت في هذه التفجيرات الفاشلة والمجهضة وطريقة الإعلان عنها والحديث عن احتمالات وقوف القاعدة وراءها، تشابه كل ذلك مع ما جرى الإعلان عنه في العاصمة البريطانية وبعدها بساعات في العاصمة الأمريكية في التاسع من أيار (مايو) العام الماضي (2006) من وجود مخطط ضخم لتفجير عشر طائرات ركاب أمريكية متوجهة من بريطانيا إلى الأراضي الأمريكية. وقد سارعت السلطات البريطانية والأمريكية في ذلك الوقت بتقديم تفاصيل ما عدته المخطط الإرهابي الأكبر منذ هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، والتي كانت ذكراها الخامسة ستحل بالصدفة بعد يومين من الإعلان، بما في ذلك النوع الجديد من المتفجرات السائلة العصية على الكشف بأجهزة التفتيش الإلكترونية الذي كان الإرهابيون المفترضون سوف يستخدمونه في تفجير الطائرات. وعلى الرغم من إلقاء السلطات البريطانية على عشرات المشتبه بهم وتعاون السلطات الأمريكية والباكستانية معها بالقبض على آخرين في باكستان ومرور كل هذا الوقت على إعلان الكشف عن تلك المؤامرة، فلم يتم حتى اليوم إعلان التفاصيل الكاملة والنهائية لتلك المؤامرة المفترضة، وبدا أن أهميتها قد تراجعت وربما تلاشت تماماً مع مرور الوقت وتوقف الحديث الأمني والإعلامي والسياسي عنها.
ودون استباق للتحقيقات الجارية الآن في بريطانيا حول حقيقة وتفاصيل التفجيرات الثلاثة الأخيرة الفاشلة والمجهضة، فالواضح هو أن توقيتها وطريقة الإعلان عنها بعد أيام من تولي رئيس الوزراء البريطاني الجديد جوردون براون منصبه خلفاً لسلفه الحليف القوي لواشنطن في حربها العالمية ضد الإرهاب توني بلير، يشير إلى أمرين في وقت واحد. الأول هو استمرار احتلال قضية الإرهاب ومحاربته مكاناً متقدماً في برنامج رئيس الوزراء الجديد وحكومته، وعزمه على أن يستمر في هذا المجال متبنياً نفس سياسات سلفه الحازمة والمتحالفة مع الشريك الأمريكي في كل توجهاته على المستوى العالمي. أما الأمر الثاني فهو أن السياسة التي يطلق عليها بعض المحللين الغربيين، وخاصة الأمريكيين والبريطانيين، "التخويف من الإرهاب"، التي يتهمون كلا من الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير باتباعها منذ هجمات أيلول (سبتمبر) لحشد الرأي العام في بلديهما وراء حربهما على الإرهاب، ستكون أيضاً سياسة محورية لرئيس الوزراء البريطاني الجديد الذي افتتح بها عهده. فالرجل وهو يؤكد في حديثه المشار إليه سابقاً بأن البريطانيين لن يستسلموا ولن يقبلوا التخويف، يبدو وكأنه يثير خوفهم أكثر من أن يشجعهم ويستثير حميتهم في مواجهة خطر الإرهاب الذي يتحدث عنه.
إن هذين الأمرين معاً يرجحان بقاء المحاور الرئيسية في السياسة الخارجية - والداخلية أيضاً - البريطانية في عهد حكومتها الجديدة مستمرة وثابتة تجاه مختلف القضايا الدولية الكبرى التي فجرتها الحرب الأمريكية - البريطانية على الإرهاب خلال السنوات الست الماضية، وخصوصاً العراق وأفغانستان، كما وضعها وطبقها حليف واشنطن الأقرب توني بلير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي