إنه ألذ عندما يكون وطنيا
أصبحت الأخبار السارة قليلة في حياتنا، فإذا ظهر منها شيء يدخل السعادة على جمهور الناس، فرحوا واحتفوا به، فالأخبار السارة تحيي الآمال في نفوسهم. وقد كان لمقالي في الأسبوع الماضي عن شركة الروبيان الوطنية صدى طيب عند جمهور القراء لأنه حمل لهم صورة مشرقة عن جانب من حياتنا الاقتصادية. لكن كثيرا منهم سألني متلهفا عن دور الشركة في توظيف الناس، ومدى مساهمتها فعليا وبلغة الأرقام في تنويع مصادر دخلنا الوطني، وكذلك عن دورها في رفع مستوى معيشة الناس في المكان الذي قامت فيه؟ ومن الواضح أن الناس أصبحوا على درجة من الوعي الاقتصادي، ويتفاعلون مع القصص الناجحة التي تعرض لهم بموضوعية وبعيدا عن أسلوب المبالغات الإعلامية الذي ملوا منه! واستفساراتهم تدل بوضوح على ذلك. فما سألوا عنه يمثل فعلا معايير اقتصادية للحكم على المشاريع. إن مساهمة المشاريع في التوظيف والتدريب وتنويع مصادر الدخل، وفي التنمية المحلية والمحافظة على البيئة، كلها معايير اقتصادية صحيحة للحكم على فائدتها للمجتمع. والحق أنني كنت مقيدا بالمساحة المخصصة لمقالتي، لكن تجاوب القراء واستفساراتهم فرضا علي أن ألقى مزيدا من الضوء على المساهمة الاقتصادية المهمة لمثل هذه المشاريع في اقتصادنا.
أثناء متابعتي الشرح الذي قدمه مدير المشروع المهندس أحمد البلاع، فهمت منه أن الشركة صدّرت في العام الماضي نحو 8500 طن بلغت قيمتها نحو 200 مليون ريال، أما قيمة المبيعات المحلية فكانت في حدود 50 مليون ريال. إلا أن الشيء المبهج هو أنهم يتوقعون أن تبلغ مبيعاتهم نحو مليار ريال بعد خمس سنوات، يصدّرون منها للخارج نحو 80 في المائة. وهذا رقم مذهل بالنظر لرأسمال الشركة، يعكس نجاحها الحالي ومستقبلها الزاهر, بحول الله, في تطوير أحد مواردنا الطبيعية.
كان موضوع مساهمة الشركة في توفير فرص عمل للمواطنين، من أكثر ما كنت أود أن أستبينه وأستوضحه سريعا من أخينا المهندس البلاع, لأنني كنت أخشى أن تأخذ الشركة الحال الذي عليه مستوى مهارة الأيدي العاملة في سوق العمل السعودي كأمر واقع، دون أن يكون لديها نيات وخطط للعمل الإيجابي نحو تغيير هذا الواقع. لكنه رسم على محياه ابتسامة الواثق، وسرني بالحقائق التي وضعها أمامي, ذلك أن صناعة الاستزراع المائي هي من الصناعات ذات القيمة المضافة العالية وتتركز عادة في المناطق البعيدة عن الاكتظاظ السكاني، وتحتاج في قوة العمل الرئيسة فيها إلى موظفين من ذوي التعليم المتوسط والفئات العمرية الصغيرة ( 17- 25 عاما) الذين ينتشرون في مثل هذه المناطق، ويكونون عادة ممن لا يتمتعون بأي خبرة في مجال عملهم قبل الانضمام إلى فريق العمل في الشركة. والشيء الجيد أن بيانات التوظيف في الشركة تظهر أن 95 في المائة من قوة العمل السعودية هم من أبناء محافظتي الليث والقنفذة (تنمية محلية). ورغم المصاعب والعقبات العملية التي تواجه قضية السعودة في شركة الروبيان الوطنية أسوة بمثيلاتها من الشركات والمشاريع الزراعية، إلا أن الشركة تمكنت من تخطي نسبة السعودة المطلوبة من المشاريع الزراعية, المحددة بـ 10 في المائة لتصل إلى 15 في المائة حتى الآن. حيث بلغ عدد الموظفين السعوديين في الشركة 320 موظفاً من إجمالي عدد العاملين في الشركة البالغ 2070.
وللشركة دور إيجابي في تغيير واقع سوق العمل السعودية فيما يتعلق بتوفير المهارات التي تنشدها فقد قامت بإنشاء أول مركز من نوعه على مستوى المملكة لتدريب وتأهيل المواطنين السعوديين على المهارات المتعلقة بالاستزراع المائي والمجالات المساندة, ودربت مئات الشباب من حملة الشهادات المتوسطة حتى الجامعية على الفنون المتعلقة بالاستزراع السمكي, فضلا عن إخضاعهم لبرامج مكثفة في اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي, وهم يقومون حاليا على إنشاء أول مركز من نوعه على مستوى البلاد لتدريب وتأهيل المواطنات السعوديات على الأعمال المتعلقة بتصنيع وتجهيز الروبيان داخل مجمع الإسكان الخيري التابع لمؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه في قرية الغالة, ليكن نواة السعوديات العاملات في أول مصنع نسائي لتجهيز الروبيان على مستوى البلاد، الذي يتوقع أن يستوعب أكثر من 100 فتاة.
وضمن جهود محمودة للشركة لربط احتياجات القطاع الخاص من العمالة ببرامج التعليم وقعت الشركة مذكرة تفاهم مع كلية علوم البحار في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، لتطوير المناهج والبحوث العلمية لإرساء برامج أكاديمية وفنية في مجال الاستزراع المائي وبرامج أخرى للتدريب التعاوني. وهناك ترتيبات لتوقيع مذكرة مماثلة مع المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني غايتها التعاون لفتح قسم استزراع مائي في كلية التقنية في مدينة القنفذة.
أثقلت على المهندس البلاع باستفساراتي عن جهودهم في موضوع السعودة، وكان يحدثني بثقة وارتياح عنها. فعلمت منه أن الشركة لديها أكبر مجموعة من مديري الإنتاج والفنيين ومساعديهم من العمالة الفنية في مجال الاستزراع المائي على مستوى المملكة. فهناك مزرعتان من مزارع الشركة تداران الآن من قبل مديري إنتاج سعوديين ممن تم تدريبهم وتأهيلهم في الشركة. ويتولى أحد الفنيين السعوديين إدارة عمليات الحصاد في الشركة، ونتيجة لذلك تمت سعودة 70 في المائة من قوة العمل في هذا النشاط. هذا فضلا عن الجهود المبذولة في تأهيل السعوديين في الأعمال المساندة كإدارة المختبرات والجودة النوعية ومصانع الأعلاف والتجهيز. وسرني حين عرفت أن الشركة قامت أيضا بابتعاث عدد من السعوديين إلى خارج البلاد لمزيد من التدريب في مجال الاستزراع المائي ثم اكتشفت أن الشركة حققت نسبة السعودة الكاملة في مجالات الحراسات والأمن، سائقي سيارات النقل الصغيرة، والوظائف الكتابية والإدارية في إدارة شؤون الموظفين. وهم ماضون في الإحلال الكامل لجميع الوظائف المقصورة على السعوديين من خلال الإعلان عنها كشواغر لدى مكاتب وزارة العمل.
هذه الجهود وإن كانت لا تزال تقصر عن أحلامنا، إلا أن طريق النجاح يبدأ دائما بخطوة أولى صحيحة. والمهم دائما هو أن تكون لدى شركات القطاع الخاص رؤى صحيحة وأهداف واضحة وعزيمة ماضية لأن تكون من الناس وإليهم.