الدور الاستراتيجي لإدارة المشاريع
ينظر العديد من المؤسسات إلى إدارة المشاريع على أنها علم يمكن للإدارة الدنيا في الشركة المعنية أن تستثمره بالشكل الأمثل لتسليم المشاريع طبقاً للجدول الزمني والميزانية المتفق عليهما. وانطلاقاً من هذه الرؤية، نجد أن المؤسسات مهتمة في تطبيق مبادئ إدارة المشاريع سواء خلال تطوير مشروع إنشائي أو تطبيق برمجي، أو طرح خدمة جديدة، أو إطلاق حملة تسويقية، أو إعادة هيكلة مشروع ما، أو القيام بعمليات دمج واستحواذ، أو تطوير منتج جديد.
وعلى كل حال، فإن العديد من المؤسسات العالمية، وإلى حد ما المؤسسات الإقليمية، بدأ يرى في إدارة المشاريع أداة قيّمة تتيح لها التعامل مع مشاريعها كاستثمارات. لقد اكتشفت تلك المؤسسات قواسم مشتركة بين المشاريع والاستثمارات، حيث إن عملية إطلاق المشروع تشبه عملية إعداد دراسة الجدوى، والتخطيط يشبه عملية هيكلة الاستثمار، والتطبيق يشبه آلية إدارة الاستثمار، وإغلاق المشروع يشبه عملية التخارج. وبعبارة أخرى، لقد توصلت تلك المؤسسات إلى نتيجة مفادها أنها لن تستطيع تحقيق النمو واحتلال مكانة رائدة في قطاعات عملها، ما لم تكن قادرة على توقع الفوائد المحتملة من كل مشروع تخوض فيه، على غرار ما تتوقعه من أي استثمار تشارك فيه.
وهذا التشابه قاد إلى تطبيقٍ أكثر أهمية يعرف باسم "إدارة محفظة المشاريع"، والذي يتيح، كما يشير الاسم، إدارة مجموعة من المشاريع على غرار إدارة محفظة استثمارية تضم مجموعة متنوعة من الأوراق المالية. وبكلام آخر، يقوم مفهوم "إدارة محفظة المشاريع" على اختيار وإدارة المجموعة الأمثل من المشاريع التي يمكن أن تساهم إلى حد كبير في نجاح وازدهار المؤسسة المعنية، إذ إن المشاريع في هذه الحالة غير مرتبطة ببعضها، ولكل منها منتجاته وخدماته ومخرجاته الخاصة. كما أن أولوية كل مشروع تتحدد طبقاً لمستوى ضرورته، الأمر الذي يفرض حالة من التنافس على الموارد بين تلك المشاريع، بما في ذلك الموارد البشرية والمواد والمعدات وحتى الموارد المالية.
تتيح "إدارة محفظة المشاريع" للمؤسسات تصنيف وتقييم ومن ثم اختيار المشاريع والاستثمارات الأنسب والأكثر انسجاماً مع أهدافها الاستراتيجية، بما يدعم مسيرة نموها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تحليل مختلف السيناريوهات المحتملة لضمان تحقيق التوازن بين المشاريع الطويلة الأمد وتلك القصيرة الأمد، وبين المخاطر الكبرى وتلك الصغرى، بما يتسق مع الأهداف الاستثمارية للمؤسسة. ومن خلال "إدارة المحفظة" تستطيع المؤسسة إجراء تقييم دقيق للفرص الاستثمارية التنافسية من منظور المكاسب والتكلفة والمخاطر، ومن ثم اختيار الأنسب منها. ومن شأن ذلك أن يتيح اتخاذ قرارات عقلانية تسمح بتوزيع الموارد النادرة بشكل صحيح وبكفاءة عالية، وإنشاء رابط بين عملية اختيار المشاريع واستراتيجية العمل، وتحديد الأولويات بشكل أفضل، وانتقاء المشاريع بموضوعية واستبعاد المشاريع غير المناسبة.
توفر "إدارة محفظة المشاريع" أيضاً وسيلة لمراقبة وضبط وإدخال التغييرات خلال عملية تنفيذ المشاريع أو الاستثمارات، بما يضمن تحقيق أفضل عائد على الاستثمار. فهي تشمل مراجعة مخرجات تلك المشاريع، وتحليلها لمعرفة ما إذا كانت تسير في المسار الصحيح، وتحديد القضايا والتوجهات والنماذج، واستثمار المعرفة، ورصد الثغرات، وإعادة تقييم الأولويات.
خلاصة القول، إن إدارة المشاريع هي استراتيجية لإنجاز المشاريع بالطريقة المناسبة، في حين أن إدارة محفظة المشاريع تتعلق بإنجاز المشاريع المناسبة.
* الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "سي إم سي إس"