عار جوانتانامو

[email protected]

على عكس حالات الانتحار الأخيرة في جوانتانامو، لم يحاول الجيش الأمريكي هذه المرة الاستخفاف بعقول العالم بتصوير حادثة موت المواطن السعودي عبد الرحمن بن معادة بن مظفر العمري على أساس أنها انتحار في إطار لعبة علاقات عامة القصد منها إحراج الولايات. وعلى أية حال، فقد أعاد موت المواطن السعودي سجن جوانتانامو الرهيب إلى دائرة الضوء مرة أخرى.
والحقيقة، إن سجن جوانتانامو هو، وبكل المقاييس، إساءة مباشرة وحقيرة للإنسانية جمعاء. وهو منشأة سيئة السمعة ظلت الولايات المتحدة تحتفظ فيه بالسجناء مستغلة جبروتها العسكري في تجاهل تام لكل الاحتجاجات العالمية.
ووجد هؤلاء السجناء أنفسهم في المكان الخطأ وفي الزمان الأكثر خطأ. واستخدم سجانوهم التعذيب، والحبس الانفرادي، والإساءة إلى المصحف الشريف في محاولة لكسر نفوس هؤلاء السجناء الذين لا يدرون لماذا هم في هذا السجن الرهيب طوال هذه المدة الطويلة.
واستخدمت الولايات المتحدة أساليب رعاة البقر التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر حيث بدأت تلوّح بالدولارات لأفراد القبائل على الحدود الباكستانية الأفغانية لكي يكشفوا لهم عن أعضاء الطالبان. وأدت هذه الأساليب إلى حالات مأساوية حيث قام أحد الأفراد بالفتنة على أحد غرمائه في الحب على اعتبار أنه عضو في طالبان وذلك حتى يتخلص من منافسته على قلب الحبيبة!
إن سجن جوانتانامو هو عار أمريكا الأبدي. وبخلاف المؤيدين المتحمسين لإدارة الرئيس بوش، وهم أقلية، ليس هناك فرد في الولايات المتحدة أو غيرها من الدول يعترف بشرعية جوانتانامو بل هم يعدون وجوده أصلاً غير قانوني وأنه كان يجب إغلاقه تماماً قبل فترة طويلة.
واستناداً إلى تجربة جوانتانامو المريرة، كيف يمكن لأي شخص أن يؤمن بالاستقامة الأخلاقية لحكومة اخترقت القوانين والدساتير واحتفظت بالسجناء خارج أراضيها لأن ذلك لو تم في أرضها لأقام الدنيا عليها ولم يقعدها.
ولأن أمريكا لا تدري ماذا تفعل بالسجناء الذين يبلغ عددهم (380) موقوفاً، فقد بدأت تسوق الحجج والبراهين الواهية مثل قول البيت الأبيض إن الموقوفين هم سجناء حرب وعليه يجب التحفظ عليهم في السجن إلى أن تنتهي الحرب!
ويمكن أن يكون هذا التبرير مقبولاً في حالات الحرب بين دولتين حيث تنتهي أوضاع السجناء بانتهاء الحرب أو الوصول إلى تسوية. أما الحرب على الإرهاب فهي حالة مستمرة لن تكون لها نهاية بالمفاوضات أو المعاهدات. هذا يعني أن سجناء جوانتانامو سيبقون طوال حياتهم في السجن وهذا ما دفع بعضهم للانتحار.
وعلى اعتباره مركزاً للتوقيف فور انتهاء الغزو الأمريكي لأفغانستان، كان يمكن القبول بفكرة جوانتانامو لكن وبعد مضي هذا الزمن الطويل فإنه لا العقل ولا المنطق يقبل بفكرة هذا السجن الطويل. وإذا كانت أمريكا لم تستطع طوال ست سنوات أن تنتزع معلومات جديدة من السجناء فهي إما لأنها عاجزة عن عمل ذلك أو لأن السجناء ليس عندهم ما يقولونه.
إن على أمريكا إما أن تحاكم هؤلاء الموقوفين محاكمات عادلة وإنسانية وإما أن تعيدهم إلى أوطانهم لاتخاذ الإجراءات المناسبة حيالهم. وإذا قررت أمريكا محاكمتهم بتهمة دعم الإرهاب، وإذا كانت القوانين الأمريكية الحالية غير كافية، فعلى البيت الأبيض العمل على تغييرها. وإذا لم يوافق الكونجرس على ذلك، فإن الجمهوريين سيمتلكون أداة في أيديهم يهاجمون بها الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
إنني أضم صوتي ضمن مئات الآلاف المطالبين حول العالم لإغلاق جوانتانامو فوراً! بلا تأخير، لأن بقاءه يخالف كل القوانين البشرية، الأخلاقية، والدينية، ويشجع الآخرين على عدم الانصياع إلى ما تدعو إليه من احترام لحقوق الإنسان ويزيد من فقدان العالم ثقته بأمريكا، ويولد الكراهية لدى الأجيال القادمة ضده ومصالحه في جميع أنحاء العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي