الأساليب البديلة لحل نزاعات المشاريع الإنشائية
المطالبات في المشاريع الإنشائية تشبه المخاطر من حيث إن أصحاب المشاريع والمقاولين على علم بأسبابها المحتملة، ويدركون إمكانية حدوثها، ويعرفون أنه في حال حصل ذلك، سيكون لها تأثير سلبي في الميزانية، والجدول الزمني، والعلاقة مع الأطراف الأخرى المعنية بالمشروع. وجميعنا يعلم أنه لا يمكن تفادي جميع أنواع المطالبات في المشاريع الإنشائية، أو تخفيفها أو ترحيلها إلى الطرف الآخر. وعليه، ينبغي لأصحاب المشاريع والمقاولين أن يبادروا إلى التفكير في كيفية التعامل مع المطالبات التي يصعب حلها ودياً.
لقد أثبت أسلوب التقاضي التقليدي على مدى السنين، أنه مكلف وبطيء فضلاً عن أن نتائجه غير متوقعة وعكسية باعتبار أنه سيسفر عن طرف رابح وآخر خاسر. وقد يعتقد البعض أن المستفيدين الوحيدين من نقل المطالبات إلى المحاكم هم المحامون، في حين أن المالكين والمقاولين هم الخاسرون. لقد أدرك قطاع الإنشاءات هذا التحدي، واعتمد طرقا بديلة لحل المطالبات المتنازع عليها. وأول هذه الطرق هو "التفاوض" الذي يقضي بأن تتواصل الأطراف المعنية وتتحاور مع بعضها البعض بهدف حل النزاع واتخاذ قرارات بشأن إنهاء الخلافات. وعليه، سيتفق طرفا المفاوضات عادة على بروتوكول يحدد مكان وآلية عقد جلسات النقاش والمواضيع التي سيتم تناولها. كما يشمل هذا البروتوكول آلية توثيق القرارات النهائية في مستند تعاقدي نهائي وملزم.
والأسلوب البديل الآخر لحل النزاع هو "التوسط"، الذي يمكن أن تنص عليه الاتفاقية التعاقدية، أو قد يتفق الطرفان على اعتماده لاحقاً. ويتلخص هذا الأسلوب في قيام طرفي النزاع بتعيين طرف ثالث يعمل كوسيط يسهل عليهما اتخاذ القرارات بنفسيهما. فعلى سبيل المثال، أصر المقاول في مشروع شق طريق سريع في دولة الإمارات العربية المتحدة، على أن يكون الوسيط من جنسية معينة ويتمتع بخلفية قانونية جيدة. هنا قام الوسيط بتحديد ثلاث مراحل عمل تضمنت إعداد سجلات للحقائق والبيانات، وتحديد القضايا وفهمها، وأخيراً صياغة الحل المناسب. وبعد ذلك انفرد الوسيط بكل طرف على حدة لشرح سلبيات التمسك ببعض المواقف، وإقناعه بالتخلي عن بعض القضايا المثيرة للخلاف. وقد يطلب الوسيط، في بعض الحالات، من أطراف النزاع إعادة النظر في بعض المطالبات، مع الأخذ في الاعتبار إجراء بعض التغيرات على مواقفهم الأولية. وعادة ما يتمخض التوسط عن اتفاقية يلتزم بها الطرفان.
أما الأسلوب الثالث فهو "التحكيم" الذي يمكن أيضاً أن تنص عليه الاتفاقية التعاقدية، أو قد يتفق طرفا النزاع على اعتماده لاحقاً. ويقوم أسلوب "التحكيم" على وجود طرف ثالث محايد يعمل بمثابة صانع قرار. ويتكون هذا الطرف المحايد من ثلاثة أعضاء يتم اختيارهم عادة، بناءً على طبيعة آلية تطبيق التحكيم. وتقوم المحكمة بتعيين الأعضاء الثلاثة، إلا إذا كانت الاتفاقية أو العقد يقضي باللجوء إلى التحكيم، وعندها سيقوم كل طرف باختيار عضو، على أن يتفقا على العضو الثالث. وهناك ثلاث مراحل لعملية التحكيم تشمل تسلم سجلات بيانات القضايا المتنازع عليها. وبعد مراجعة هذه السجلات، تعقد لجنة التحكيم جلسات اجتماع تتضمن قيام الطرفين المتنازعين باستعراض الحقائق، وطرح وجهات النظر، والتحاور، وتقديم الأدلة، ومراجعة المستندات واستجواب الشهود، ومن ثم الإعلان عن النتائج، ليصار بعد ذلك إلى قيام المُحَكِّم بإصدار قرار قد يكون نهائياً وملزماً، إذا كان العقد ينص على ذلك.
وهناك أساليب بديلة أخرى لحل النزاعات التي قد تنشأ خلال فترة إنجاز المشاريع، منها ما يعرف بـ "أسلوب الطرف الحيادي في المشروع"، حيث يستعين طرفا النزاع بطرف ثالث لدراسة المطالبات الإنشائية ويقترح آلية حلها قبل أن تتفاقم وتتحول إلى نزاع. والطرف الحيادي هو جهة مستقلة لا تسعى إلى مصلحة مالية من نتائج هذه المطالبات. وتشتمل الأساليب الأخرى على إنشاء لجنة لمراجعة جوانب النزاع وتضم أعضاء مخضرمين من الأطراف المتعاقدة، وذلك بهدف تقديم توصيات غير منحازة بكيفية حل تلك النزاعات.
* الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "سي إم سي إس"