ترحيل مخاطر المطالبات في المشاريع الإنشائية
عندما يدرك أصحاب المشاريع أو المقاولون أن هناك بعض المطالبات التي قد تظهر في مشاريعهم الإنشائية، من النوع الذي ليس باستطاعتهم تفاديه أو تخفيف تأثيره، فإن الخيار الثالث المتاح أمامهم هو ترحيل تلك المخاطر إلى الطرف الآخر. وبإمكان أصحاب المشاريع القيام بذلك من خلال تضمين الاتفاقية التعاقدية إجراءات استباقية هدفها ترحيل تأثير بعض المطالبات إلى المقاول، أو فرض قيود عليه تمنعه من تقديم مطالبات تتعلق بأحداث محددة لدى وقوعها. ويضاف إلى ذلك، أن باستطاعة صاحب المشروع الطلب من المقاولين والاستشاريين توفير بوليصات تأمين تغطي إصابات العمل والحريق والأضرار التي تلحق بالممتلكات تحسباً لأية مطالبات بدفع تعويضات. وفي المقابل، يمكن للمقاول أن يعدّل عروض المناقصة التي يشارك فيها، أو يطالب بإزالة بعض بنود العقد، أو إعادة صياغتها قبل أن يتفق الطرفان على قيمة العقد.
وكذلك الأمر، قد يفكر أصحاب المشاريع بإضافة بنود جديدة إلى الاتفاقيات التعاقدية لمعالجة قضايا النزاع المستمر، مثل الحقوق المتعلقة بموعد إنجاز المشروع حسب جدول الأعمال الإنشائية، وكيفية تقييم الأنواع المختلفة من التعويضات المتعلقة بتمديد فترة العقد. فعلى سبيل المثال، يعتمد قطاع الإنشاءات في الولايات المتحدة، أسلوباً عرف باسم "معادلة إيكلي" لتقييم تكاليف عمليات التشغيل الممددة. وفي المملكة المتحدة، هناك أسلوب مشابه يعرف باسم "معادلة هودسن". وعلى الرغم من أن حسابات هاتين المعادلتين وغيرهما، مطروحة دائماً للنقاش بين المالك والمقاول، إلا أنها توفر نقطة انطلاق جيدة لمعرفة وتقييم التعويضات. وهناك جانب آخر محط خلاف دائما أثناء حساب التعويضات، ولاسيما تعويضات تراجع إنتاجية القوى العاملة بسبب ما يشهد المشروع من تغييرات وتدخلات واعتراضات. وفي الولايات المتحدة أيضاً، يستخدم قطاع الإنشاءات طريقة تسمى "نافذة الإنتاجية"، والتي تقضي بأن يثبت صاحب المطالبات، أن كفاءة كوادره البشرية خلال الفترات التي لم تخللها تغيرات أو تدخلات أو اعتراضات، كانت أفضل مقارنة بفترات العمل التي تعترضها عراقيل كهذه.
ويجب أن توضح الاتفاقيات التعاقدية أنواع الأضرار التي تدفع المقاول إلى المطالبة بتعويضات عنها، وكذلك المستندات التي يجب تقديمها لإثبات شرعية تلك المطالبات وتبريرها، وكذلك تحديد صيغة هذه المستندات. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن تتضمن الاتفاقيات التعاقدية تفاصيل عما إذا كان المقاول يستحق تعويضاً إضافياً بسبب تمويل إضافي أو زيادة مدة الإنجاز، أو فقدان فرص استثمارية، أو فقدان فرص تحقيق أرباح وغير ذلك. ويستطيع صاحب المشروع أن يضيف بنوداً إلى الاتفاقية التعاقدية لمواجهة ارتفاع أسعار المواد، أو تقلب أسعار العملات، وكيفية تعويض المقاولين إذا ما حدث ذلك. وهناك بنود من شأنها نقل مسؤولية بعض المخاطر التي قد تنتج عن مطالبات المشاريع الإنشائية إلى المقاول. ففي مشروع تطوير أحد المراكز التجارية بدبي، اتفق صاحب المشروع أثناء مناقشة العقد، مع المقاول على دفع مبلغ إجمالي، مقابل أن يتحمل هذا الأخير جميع أعباء الأخطاء التي يمكن أن تظهر في تصميم المشروع القائم. وبعبارة أخرى، وافق المقاول على شراء المخاطر التي قد تنجم عن وجود أخطاء في التصميم وأشياء مغفلة فيه مقابل مبلغ محدد، وبالتالي لن يكون من حقه مطالبة المالك بأي تعويض في حال ظهرت تلك الأخطاء فعلاً. وفي المقابل، إن تبين أن التصميم خالٍ من الأخطاء والعيوب، فلن يكون من حق المالك المطالبة باسترداد المبلغ الذي دفعه للمقاول مسبقاً.
أخيراً، يمكن أن يلجأ مالك المشروع إلى تضمين الاتفاقية التعاقدية بحلول بديلة لتسوية المطالبات في المشاريع الإنشائية بعيداً عن رفع دعوى قضائية، مثل التفاوض والتوسط، والتحكيم المحلي أو الدولي. والواقع أن اعتماد الأساليب البديلة لحل الخلافات يساعد الطرفين المتعاقدين، على إيجاد تسوية أفضل للمطالبات في المشاريع الإنشائية، مقارنة بأسلوب التقاضي المكلف والبطيء، ناهيك عن نتائجه التي قد تكون غير متوقعة وسلبية باعتبار أنه سيكون هناك طرف رابح وآخر خاسر. وبالطبع، عند اختيار استراتيجية ترحيل مسؤوليات أو أعباء المطالبات، ينبغي على أصحاب المشاريع اتخاذ إجراءات جذابة ومشجعة للمقاولين على تقديم عروضهم، وليست منفرة لهم.
* الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "سي إم سي إس"
[email protected]