كراسي الجامعة
يشكل الإعلان الذي بدأت بنشره جامعة الملك سعود في الصحف المحلية من منتصف شهر ربيع الآخر المنصرم بدعوة المجتمع للمشاركة في تمويل برامج البحث العلمي خطوة طال انتظارها. إذ لم يعد البحث العلمي ترفاً يمكن الاستغناء عنه أو خياراً يمكن تأجيله بعد أن أثبتت تجارب الشعوب خلال القرنين الماضيين شرقاً وغرباً أن التقدم الاقتصادي للأمم لا يدوم إن لم تسنده قاعدة متينة من أدوات البحث والابتكار في ظل نظام اجتماعي ينعم بالأمن والاستقرار.
في إطار تلك الرؤية التي تستشرف المستقبل لتنمية مستدامة في المملكة جاء قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإنشاء جامعة متخصصة للأبحاث في مجالات العلوم والتقنية, وتعزيز مخصصات الدراسات والبحث في الجامعات السعودية من بينها تبرع سخي من حساب خادم الحرمين الشريفين الشخصي لدعم " تقنية النانو ". كما حظيت برامج البحث في الجامعات السعودية بدعم سخي أيضاً من حساب سمو ولي العهد شخصياً كان من بينها برنامج أبحاث المياه في جامعة الملك سعود.
لقد أصبح من أهم المشاغل اليوم لرؤساء الجامعات في العالم البحث عن مصادر تمويل خارج إطار المصادر التقليدية كتلك التي ترصدها الحكومة في ميزانيتها أو ما تدره الرسوم الدراسية للجامعات الخاصة. لذا كان لزاماً على تلك الجامعات التوجه إلى خريجيها في المقام الأول ثم إلى الشركات الكبرى والمؤسسات الخيرية لوقف مبالغ يُستخدم ريعها للإنفاق على برامج دراسات وتقديم منح دراسية للطلاب والباحثين.
وكنت قد أبديت عجبي في مقال نشرته " الاقتصادية " بتاريخ 8/1/1427هـ عن غياب أي دور لخريجي الجامعات السعودية, إلا ما ندر, في دعمها على الرغم من أن سوق العمل تزخر بعشرات الألوف من أولئك الخريجين, العديد منهم أسس مشاريع وكيانات تجارية ناجحة, كما تبوأ البعض منهم مناصب قيادية في الدولة والشركات الكبرى ما يجعلهم قادرين على العطاء بسخاء لجامعاتهم. وإذا استثنينا بعض المساهمات المحدودة من حيث العدد والقيمة, يمكن القول إن الجامعات السعودية لم يبادلها خريجوها ما تستحقه من وفاء, ولم يشفع لها ما يملكه بعضهم من ثروات هائلة.
إن غياب دور خريجي الجامعات السعودية في دعمها, باستثناء القليل, نتاج لسلوكيات ومفاهيم خاطئة لدى السواد الأعظم من المواطنين عن مسؤوليتهم تجاه مجتمعهم ومن ثم لا يُعد ذلك الغياب نشازاً في نظر الكثير, كما أسهم أيضاً في ذلك الغياب عدم وجود آليات وبرامج كافية في الجامعات للتعامل مع تبرعات الخريجين وغيرهم. لكن ذلك لا ينبغي أن يثني الجامعات عن إطلاق مبادراتها للنهوض بدور خريجيها من خلال عمل مؤسسي يشعرهم بأهمية العطاء ومردوده عليهم ومجتمعهم بما في ذلك عقبهم.
هناك تجارب ناجحة في العالم لتفعيل دور الخريجين لخدمة جامعاتهم والتواصل معها, وقد تستحسن جامعة الملك سعود بصفتها الجامعة الأم, أخذ زمام المبادرة في الاستعانة ببعض الخبرات القائمة على تلك التجارب كي تبدأ من حيث انتهى الآخرون. إن الهدف الذي ينبغي أن تسعى إليه الجامعات هو توسعة دائرة المشاركة في دعم برامجها بحيث يُدعى إليها كل من شاء وإن قّدم مبلغاً متواضعاً دون التقيد بحد أدنى. ولعل الخطوة الأولى في هذا السبيل تكوين جمعيات للخريجين تكون لها فروع في كل مدينة رئيسة من مدن المملكة ترعى بناء جسور وقنوات بين الجامعة وبين خريجيها والمجتمع بشكل عام من خلال عمل منظم ومنافع متبادلة, على أمل أن تحذو الجامعات الأخرى حذوها.