يؤكدمون العداء.. وعليهم تغيير المناهج!

[email protected]

تمكن أعداء العرب من أكدمة هذا العداء بطرق عدة منها تأطير هذا العداء ضمن نظريات علمية، أو محاولة الظهور بالمظهر العلمي، أو الاستشهاد بأحداث معينة تثبت بطريقة أو بأخرى نظرية ما، سواء اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية. مع مرور الزمن تم حشو الكثير من الكتب المدرسية والجامعية بنظريات وشواهد تأطر بشكل علمي العداء للعرب. نتيجة لذلك، تأصلت ثقافة العداء للعرب في كثير من الدول الغربية لدرجة أنه حتى لو حاول صحافي أو إعلامي التركيز على قضية عربية من دون تحيز، فإنه سيكون متحيزاً لأن الأصول التي درسها في الأصل متحيزة. من هذا المنطلق فإن تركيز الدول الغربية على تغيير مناهج التعليم في الدول العربية يجب أن يقابله مطالبة بتغيير المناهج الغربية!
الأمثلة على ذلك كثيرة. مثلاً، هناك قناعة عامة بأن "أوبك" منظمة احتكارية تستغل العالم، وأن أي ارتفاع في أسعار النفط لا بد أن يكون نتيجة لـ "استغلال" هذه المنظمة، لذلك يجب محاربتها لرفع "الظلم عن المستهلك الفقير"! هذه القناعة انتشرت بعد أن تم وضعها في مئات كتب الاقتصاد الأكاديمية كجزء لا يتجزأ من نظرية الاحتكار.
وهناك قناعة عامة بأن منطقة الشرق الأوسط منطقة غير مستقرة، وبما أنها مصدر كبير للنفط، فإن مصدر عدم استقرار أسواق النفط العالمية هو الشرق الأوسط. هذه القناعة تعد حقيقة لا يمكن مناقشتها عند كثير من السياسيين الأمريكيين ليس لأنهم يكرهون العرب، بل لأن الكتب المدرسية والجامعية قدمت لهم هذه الفكرة بشكل أكاديمي، ما جعلهم يعدونها حقيقة. المشكلة أن هؤلاء السياسيين يتبنون سياسات عدائية للعرب بناء على هذه "الحقائق"، والعرب .. يترجمون هذه "الحقائق" ويدرسونها في مناهجهم التعليمية!
لو تأملنا في هذه "الحقيقة" لوجدنا أن المعلومات الأساسية خاطئة، وطريقة الاستنتاج خاطئة أيضاً.
لو استخدمنا الأسلوب الصحيح في البحث العلمي لوجدنا أن هناك مناطق عديدة في العالم أقل استقراراً من الشرق الأوسط، وأن دور المؤثرات السياسية الشرق أوسطية في أسواق النفط العالمية أقل بكثير من المؤثرات الأخرى، وبخاصة في السنوات الأخيرة. كل ما علينا أن نتذكر أن طوابير البنزين في السبعينيات في الولايات المتحدة لا تعود إلى المقاطعة النفطية وإنما إلى تدخل الحكومة الأمريكية في تسعير المنتجات النفطية، وأن وصول أسعار النفط الاسمية إلى مستويات قياسية عام 2005 يعود إلى الأعاصير في خليج المكسيك وانخفاض الإنتاج الأمريكي، وليس انخفاض الإنتاج العربي. شركة الطاقة التي انهارت كانت "إنرون" الأمريكية، والشركة التي تفجرت مصافيها بسبب عدم صيانتها بهدف تخفيض التكاليف هي شركة النفط البريطانية.
مشكلات الكهرباء التي عانتها كاليفورنيا منذ عدة سنوات مشكلة محلية لا علاقة لها بالشرق الأوسط، ولكنها مرتبطة بشركات الكهرباء في ولاية تكساس التي كان الرئيس الأمريكي جورج بوش حاكما لها. نقص إمدادات الغاز وارتفاع أسعاره مشكلة محلية لا علاقة للشرق الأوسط بها لأن إمدادات الغاز في أمريكا الشمالية محلية. مشكلات الغاز تعود إلى سياسات الحكومة الأمريكية التي شجعت استخدامه من جهة، ثم فرضت قوانين بيئية منعت التوسع في التنقيب عن الغاز في الأراضي الأمريكية. ارتفاع أسعار البنزين منذ عام 2005 يعود إلى غرق بعض المصافي الأمريكية نتيجة إعصاري كاترينا وريتا، وإلى القوانين البيئية التي أجبرت معامل التكرير على استخدام الإيثانول بدلاً من مادة إم تي بي إي.
في الأسابيع الأخيرة ارتفعت أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية. هذا الارتفاع لا يعود إلى ارتفاع أسعار النفط، كما هو موضح في الشكل البياني المرفق، وبالتالي لا يمكن أن يكون لدول الشرق الأوسط دور في هذا المجال. سبب ارتفاع أسعار البنزين هو الأعطال الكثيرة في المصافي الأمريكية وتأخر أعمال الصيانة فيها. هذه الأعطال تعود إلى أمور عدة أهمها قدم هذه المصافي من جهة، والتعديلات المتعددة التي أجريت عليها نتيجة التغير المستمر في القوانين البيئية.
لوم العرب
خلال الأعوام الثلاثة الماضية رأينا العجب العجاب من الساسة الأمريكيين ابتداء من المرشح الديمقراطي جون كيري الذي يريد إلغاء الاعتماد على النفط العربي، مروراً بالرئيس جورج بوش الذي أصبح فجأة يريد ما يريده الديمقراطيون مع أنه جمهوري، وانتهاء بباراك أوباما عضو مجلس الشيوخ الأمريكي الذي أعلن في الخطاب الذي أعلن فيه أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية عام 2008 بأنه على الولايات المتحدة أن "تتحدى استبدادية النفط كما تحدت استبداد الفاشية والشيوعية"! خلال الفترة نفسها قام المحافظون الجدد بالربط بين مشكلات الطاقة التي تعانيها الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وقاموا بتأسيس معاهد وجمعيات خاصة لمحاربة النفط بحجة محاربة الإرهاب، وقاموا بالربط بين النفط والأمن القومي، وقاموا بتأسيس محطة بنزين "حرة من الإرهاب". كل هذا ومشكلات الطاقة التي تعانيها الولايات المتحدة لا علاقة لها بالشرق الأوسط على الإطلاق! المشكلات، كما اتضح أعلاه، كلها مشكلات داخلية تعود إلى سوء السياسات الحكومية التي تبناها هؤلاء الذي يلومون الدول العربية أنفسهم.

والعرب يستحقون اللوم
أسهم العرب بطريقتهم السلبية في السماح لأعدائهم بأكدمة العداء ضدهم، كما أسهموا في استمرار أعدائهم في تشويه سمعتهم. فشلت الحكومات العربية في نشر الثقافة النفطية ودعمها، الأمر الذي سمح للغرب بأكدمة عدائهم من دون تمحيص وتدقيق. إن الوقت الحالي فرصة ذهبية لـ "أوبك" وأعضائها أن تقوم بحملة دعائية مباشرة وغير مباشرة توضح للشعب الأمريكي أن ارتفاع أسعار البنزين الحالي لاعلاقة له بأسعار النفط، وأن دول "أوبك" لاعلاقة لها بأزمات الطاقة الأمريكية. إن أي دراسة علمية لسوق النفط العالمية خلال الـ 30 سنة الماضية توضح أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الثلاث الماضية يعود إلى عوامل متعددة تراكمت عبر ثلاثة عقود فمنعت نمو الطاقة الإنتاجية من مواكبة الزيادة المستمرة في الطلب على النفط. ولا شك أن من أهم هذه العوامل هو السياسة الأمريكية الخارجية التي فرضت عقوبات اقتصادية على كبرى الدول النفطية والتي منعتها من تنمية طاقتها الإنتاجية. ومنها أيضاً انخفاض قيمة الدولار الأمريكي الذي أثبتت الدراسات العلمية أن انخفاضه يخفض الإنتاج العالمي في الوقت الذي يرفع فيه الطلب على النفط في الدول الأوروبية والآسيوية.
خلاصة الأمر: إذا لم تقم الدول النفطية بنشر الثقافة النفطية ووضع النقاط على الحروف فإنها ستلام على كل ارتفاع في أسعار الطاقة، حتى لو احترقت المصافي الأمريكية، الواحدة تلو الأخرى. لقد حان الوقت لـ "أكدمة" كشف زيف ما تم أكدمته، وحان الوقت لتصحيح التاريخ الذي تم تزييفه. حان الوقت لإنشاء مراكز لدراسات الطاقة، وحان الوقت لنشر الثقافة النفطية، بخاصة ضمن المبتعثين الذين يدرسون كتباً دس السم في عسلها. لقد حان وقت تغيير المناهج الغربية!

مصدر البيانات: إدارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الأمريكية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي