(الصَّيـْف ضيَّـعت اللـَّبَن)

[email protected]

شهد الأسبوع الماضي تصعيداً لدفع القيادة مناحي النشاطات الاقتصادية الاجتماعية وإيضاح تفصيلي "لأهمية المسؤولية" لإنجاح الالتزامات ولبلورة التنظيمات الشفافة الموضوعة وإحكام استثمار الأموال المرصودة. كما أبرزت أهمية الجهود المبذولة لتصحيح حقيقة التطلعات والغايات موصولة للأهداف. للمسؤولية جوانب متعدِّدة: أبرزها بريقها المتقطع وبقاؤها المتميز في إماطة الأذى لإبعاد التعطيل للإنجازات وتجنـُّب التسويف في إنهاء المعاملات. أمانة المسؤولية عظيمة وتعطي السعادة لمن يوفقه المولى عزَّ وجل لإنجازها: على الوقت وافية الأمانة وكاملة الإخلاص. التقاعس في أدائها كاملة غير منقوصة يترتب عليه في المدى القصير تضارب في النفس قد يتحوَّل إلى إحباط داخلي. التأثيرات السالبة لتناقص كيل العمل المسؤول تضر بالمصلحة العامة وتدخل النفس في شر أعمالها لإنقاص المسؤول حق السائل. ضمن مساحات أعمالنا ونشاطاتنا، فإنَّ حقيقة الأمر أننا جميعاً مسؤولون عن بعضنا بعضا وعلينا مواجيب خدمية مسانِدة لمجهودات المراجعين وإيفاء لحقوقهم وواجبات إلزامية وفقاً لروح النظام وفلسفة الأداء الإنساني المتكامل مدعوماً بالعلم والمعرفة والتدريب وثقافة نبذ تقاعس وتعطيل الدور الوطني المسؤول للإنجاز.
أكـَّد مجلس الوزراء خلال جلسة يوم الإثنين 16/4/2007 "أهمية قيم الإيمان والصبر والعمل التي يتوجُّه خادم الحرمين الشريفين بالاسترشاد بها في كل أمر، وأنَّ تجسيد هذه الرؤية واستلهام تلك القيم يتطلب الالتزام بمعايير العدل، وإدراك أنَّ المساءلة واجبة على كل من تقلـَّد أمراً من شؤون الشعب، وأنَّ المسؤولية مشتركة، وأنَّ تحقيق التنمية لا يتأتى إلا بتوفيق من الله، ثم بالعزيمة والحركة والتطوير والتضحية في سبيل حماية الوطن، والتصدي لمن يعيشون بالدين والقيم".
الفوائض المالية الربانية تأخذ طريقها في تمويل العديد من المشاريع التنموية الحديثة في مجالات متعدِّدة وفقاً لخيارات مواقع تأسيسها عبر الجزيرة العربية، في صور مختلفة من التأسيس. طموحاتها تفرض تطوير فكر الاهتمام بثقافة عمل الموارد البشرية المحلية خارج حدود أوسع من التعليم الثانوي والجامعي والتدريس المهني. الارتقاء إلى "ثقافة المهنة" والتحبب عند الله إيفاءً لكيل المسؤولية الخدمية لإنجاز المتطلبات الفردية والجماعية. العمل المسؤول حلقات تكمِّل بعضها بعضا حتى تمام المهمة. "النفرة" التنموية القائمة حديثا تغذيها وفرة الأرصدة النقدية الربانية لمشاريع ضخمة مختارة ضمن الجداول الزمنية الموضوعة وفقاً للتوجهات التقليدية المهتمة لقيام المشاريع. تجارب نصف قرن مضى توضح للعيان أنَّ التشييد التنموي من أنجع الطرق والوسائل لصقل المهارات وحصحصة التدريبات وحسن توزيع الخيارات وتحويل النقود إلى ثروات. التناقض كبير بين رغبة الإسراع في الإنجاز وتزايد حاجة مواجهة البطالة وتشغيل المواطنين. الاهتمام بحسن المنظرة الهندسية والابتكارات الغربية مناله سهل بالمال. الخوف كل الخوف أنه يقضي سلباً على محاولات تخفيض البطالة وإضعاف تدرج جهود مسؤولية مشاركة الموارد البشرية الوطنية في العطاء والاستفادة. التنمية أهدافها تنبع من احتياجات الاقتصاد الوطني السعودي. أولوياتها تضعها القيادة الرشيدة. تنفيذها مسؤولية "الحكومة والمحكومين" الذين غالبيتهم مواطنون تنفيذيون يتناقلون المواقع والإدارات وفقاً للمصالح والمسؤوليات و"لمراتب" المؤهلات والخبرات والاجتهادات الصادقة. التفاوت في "ثقافة المسؤولية" مربط الفرس للتقدم بالاقتصاد الوطني السعودي. انعكاساته السالبة تمثل محور الجدل الذي يدور من داخل دولاب العمل الحكومي. ضعف "ثقافة المسؤولية" بيننا جميعاً، أننا لا نراها بعد أن قتلناها لنصف قرن مضى. قديماً آباؤنا وأجدادنا اهتموا بها ضمن "محدودية معارفهم"، واحتضنوها في حرف واضحة المعالم للنجارة والحدادة والزمزمية والجمَّالة.. الخ بأصول واضحة ومواثيق مقيدة. إنجازهم، على الرغم من محدودية "المادة" تماشى مع التطلعات وعوَّض النقص في المتطلبات وصيانة المجتمعات واحتضنوا بين بعضهم شبابهم ووفروا لأنفسهم "المقسوم المعلوم" ولمواجهة الاحتياجات المعيشية صيانة لمجتمعهم.
التحدي الكبير للاقتصاد الوطني السعودي لنصف قرن قادم "الكم والكيف" يوفرها العلم والمعرفة وتراكم نعمة الثروة الربانية النقدية. محدِّدات تكاملها نقص تكامل تحديث الهيكلة التنظيمية المجتمعية، حكومية وأهلية: خاصة بما يتواكب مع تحديات الاستفادة البشرية الوطنية على جميع المستويات المجتمعية في طريق البناء والتشييد الحديث لصيانة وتهذيب مكتسبات نصف قرن مضى وإقامة اقتصاد المعرفة والإلكترونيات والفضائيات والتقانة.. إلخ وفقاً لعاداتنا وتقاليدنا ومعتقداتنا. احترام أطر المسؤولية الهادفة مهم للتقدم وفقاً "لمفهوم" النظم والقوانين القائمة. مهم متابعة التحلل من أضرار تكاثر التقيد بالتقاليد الإدارية البالية التي فرضتها ظروف وملابسات "تسريع" مواجهة جوانب المعضلة وليس حقيقتها وواقعها.
الوطن والمواطن يعيشان واقع تعطيل كثير من الإنجازات ويريان نسف العديد من الاحتياجات لتقاعس وازع "مسؤولية المواطن" ونقص فهم الأهداف الوطنية من "النظم والقوانين الثابتة" في عالم متغيرات المصالح والواجبات الوطنية "للمواطن" المراجع لأعماله ومعاملاته وبيروقراطية المسؤول. مشوار تعديل النظم والقوانين طويل وآليات تولي مسؤوليات متابعاتها معقدة التركيب. جدية تنفيذ التحديث الإصلاحي الصادق لمواجهة التحديات وتقويتها، سوف تؤتي ثمارها لتجارب مكتسبة من الماضي ومعرفيات متطورة وتزاحم للأفضل على مدار الأزمنة القادمة المتغيرة مع تسارع الزمن. التأخير مرفوض من القيادة لتحديث فكر الاقتصاد الوطني السعودي والرقي الاجتماعي والعدالة في التعامل تماشياً مع السياسة العامة لمستويات القيادة لرفعة البلاد وراحة المواطنين. أهمية المسؤولية تجعل من كل مواطن راعٍ في رعيته. تنفيذ البرامج التنموية الموضوعة للوطن نجاحها فيه سعادة للمواطن. كمال قيامها مرهون بمقدار المسؤولية المنوطة لإزالة الأذى من طريق تفعيل النظم والقوانين بفكر إيجابي وغير معطل.
البرامج التنموية المعلنة حديثاً والمتوقعة مستقبلاً تستهدف تعظيم المنفعة للوطن والمواطن. نجاحها مرهون بتفاعل تعامل المواطنين. تعظيم مستويات عطائهم في تسهيل حسن الأداء. العمل المخلص يفترض توافر براعة معرفية. مهم توفير "ثقافة مصداقية" التفريق بين أضرار السلبيات في تعطيل المسيرة "لفزلكات" المسؤول "البعكوكية" لمفهوم النظام من جهة وطلبات المُراجعين غير المكتملة من جهة أخرى. كثير من مكاسب التعامل في القطاعات الحكومية والأهلية والخاصة تضيع وتتبخر لتقصيرنا في إعطاء واجب العمل "حق التفاعل" الصحيح عوضاً عن إضافات شخصية لنظام التعامل تسهيلاً لخياراتنا. القراءات التفسيرية الشخصية الأنانية لحرفية النظام توقف منفعة الوطن من مجهودات "أهلية وخاصة". طالما مقارنة الضرر بين حرفية القراءة للنظام والعمل المنتج مجتمعياً يترتب عليه احتمال كثرة المعارضات الطفيفة للنظام أو توقيف الاستفادة للمجتمع. "مسؤولية" القرار تفرض رحمة الاقتصاد الوطني السعودي بآلية وازعه "مقبولة وسهلة" كلما ارتفع المسؤول في المنصب وارتقى في درجات العلم والمعرفة " قمتها الهداية". الارتفاعات في المناصب والعلم والمعرفية درجات قمتها الهداية في اختيار أقل الضررين وقدرة المسؤول والمراجع على إيجاد الحلول الصادقة الأمينة للتماشي مع النظام والبعيدة عن الفساد لإنجاز المهمة التنموية بأقل قدر من التعطيل.
الاهتمام بالتعليم والتدريب والتقانة والأبحاث..إلخ خطى للأمام والتقدم . المؤسسات القائمة زاخرة بنظم وقوانين وفكر معطـِّل لإدارتها وسير أمورها بالسرعة التي توفرها القدرات المحيطة بالبشر في بلادنا. التفكير السوي من داخل المؤسسات العلمية وفقاً للصلاحيات المتحررة يقفز بهذه الصروح العملاقة لتقمُّص "ثقافة الإنجاز" الثقافي السريع لتقدمها وتثقيفاً لطلبتها. حكومة الإلكترونيات تأسيسها تسبقه "ثقافة الالتزام"، ونجاحها يفترض قيامها. حكومة الإلكترونيات ليست البديل لعدم التزام الفهم البشري. النظم والقوانين وضعت لضمان حسن سير المعاملات وخدمة التعامل. حكومة الإلكترونيات أسلوب علمي معرفي لتسريع وضبط التعامل وتزايده. دقة وسلامة إنجازها مرتبط تأثيره بمستوى التزام التعامل البشري.
واجب المواطن إعمار الأرض لزيادة الثروة الشخصية والأهلية والعامة. العلم والمعرفة والأبحاث.. ليست نشاطات قائمة لذاتها بل من الوسائل والطرق لإعداد المواطن ليتبوأ هذه المكانة. التحول لمسار فكر توفير العلم من الغاية في حد ذاتها إلى منتوج ثقافي له مردود نفعي خدمي مسؤول، يتطلب جهداً وصبراً ووقتاً ربما يتماشى مع المدة الزمنية لمهمة التحديث الاقتصادي الاجتماعي الذي توصِّفه وتصفه القيادة. تحجيم التباين بين التخطيط "المرسوم" والمستقبل المنتظر تحقيقاً لتقارب التطابق، يوفر مزيداً من الرخاء والثراء في رحلة البناء الاقتصادي الاجتماعي لتصبح "ثقافة الخدمة المسؤولة" رائدنا. الاستمرار في انقاص اهتمام تبادل مسؤوليات مصالح التعاملات مع بعضنا بعضا يسيء لحياتنا ويضر المسيرة التنموية. تقليص الروح الانهزامية لرفع روح التعاون لازدهار الاقتصاد الوطني السعودي وتعظيم المكاسب الفردية للطبقات البشرية معالجته معرفياً ومهنياً بالتعليم والتدريب والتثقيف والأبحاث.. إلخ. الأهم أن نعي أننا نعيش "مشكلة" اتخاذ المسؤول والمراجع النظم والقوانين بما يشبه "الشمَاعة" للإضرار بالمصالح العامة والأهلية والخاصة.
الشكاوى التي نكيلها لبعضنا بعضا مسؤولين ومراجعين من التعطيل والتقصير..إلخ، هي نوع من المسكنات لأوضاع فكر سالب نحن عليه . من أسبابها ربما أمور أساسية في نشأتنا ومعيشتنا تتعلق بالمواصلات والأسعار والدخول والديون والأسهم وسوق المال وكتاب العدل، ونقص الخدمات الصحية والمياه والمجاري .. والخوف من عواقب التصرف المرن مع النظام .. إلخ . الواضح استمرار معاناة الحديث الشاكي بيننا سراً على مستوى الجهر وعدم متابعتها علمياً للخروج من عنق الزجاجة التي تدرجنا في الدخول فيها على مدار نصف قرن. الخروج من المأزق الذي نحن عليه ليس باليسير، لكنه مطلب حتمي. معرفة حقيقة مشكلة "ثقافة المسؤولية" مهمة. التعرف على "ثقافة التعامل" بين المسؤول والمراجع لا تقل أهمية. التفاهم قومياً على "الإثنين"، يتطلب الاتفاق على ما نريد أن تكون عليه الأحوال مستقبلاً قبل التفكير في اتجاه آخر نسير نحوه والتوافق على الآلية المتبعة. "الوقت من ذهب" يضيِّعه من لا يعي أهمية "ثقافة المسؤولية". والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي