مشي حالك

[email protected]

تنتشر في المجتمعات العديد من الثقافات وذلك وفقاً لما تعود عليه أفراد المجتمع فعلى سبيل المثال بالنسبة للمواعيد تجد أن من الشائع أن تسمع بأن فلانا مواعيده إنجليزية أي إنها دقيقة جداً، والإيطاليون اشتهروا بدقة القياسات والتفصيل أما الفرنسيون فاشتهروا بالجمال والفن والإبداع واليابانيون بالاحترام والتقدير وهكذا على مستوى كثير من الدول.
أما مجتمعاتنا فقد اشتهرت وللأسف بثقافة (مشي حالك وهي ثقافة بعيدة كل البعد عن ديننا الحنيف الذي أوصانا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بوصية قال فيها (إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه) ومع ذلك فنحن أبعد ما يكون عن تطبيق هذا التوجيه وجل أعمالنا تنطلق من خلال مبدأ (مشي حالك) بل وينافس هذا المبدأ مبدأ آخر عقيما وهو (ليس بالإمكان أحسن مما كان).
الأعمال أصبحت تنجز بأقل قدر من الجهد وفيها هدر كبير للوقت وأحياناً كثيرة للمال والخدمات تقدم بأدنى مستوى من الأداء وهذه الظاهرة لا تنحصر في مجال معين بل هي منتشرة في عدة مستويات سواء كانت في المنزل أو المدرسة أو العمل.
إن ثقافة مشي حالك) هي مؤشر خطير مؤلم ينحدر بالمجتمع إلى مستويات سفلى لا حدود لها، وهو يقود المجتمع نحو الهاوية ويطفئ كل أنوار الطموح والتحدي التي تسعى إلى أن تضيف للمجتمع أنواراً تساهم في تطويره وتنميته.
إن تغيير هذه الظاهرة وإلغاء هذه الثقافة (مشي حالك) إلى ثقافة (الإتقان) هو الطريق الوحيد لتطوير المجتمعات وتقدمها ونقلها من مراحل التخلف والتراجع إلى مصاب الدول المتقدمة، ومفهوم الإتقان يجب أن يغرس في النفوس منذ الصغر بحيث يجده الطفل منهجاً للوالدين فينمو به ويتغذى منه ثم يتعلمه في المدرسة من خلال إدارة مدرسية متقنة ومدرسين أتقنوا العملية التعليمية وبذلك يكون هناك جيل يمكن أن نطلق عليه جيل الإتقان.
إن الإتقان منهج عظيم يجب أن نسعى جميعاً نحوه وننطلق في اتجاهه إن أردنا أن نحقق آمالنا وطموحاتنا المستقبلية وأن يكون لنا شأن بين الأمم فلا شيء يأتي من فراغ ولا يمكن أن يكون هناك أي تقدم ورقي وحضارة من خلال ثقافة (مشي حالك) بل سيكون هناك تراجع وتقهقر. وكم أتمنى أن ترفع كل إدارة ومؤسسة شعار (الإتقان منهجاً تطبيقاً عملياً). يحاسب المسؤول نفسه أولاً ثم يحاسب فريق عمله ونسعى جميعاً إلى أن نرتقي بمستوياتنا الاجتماعية إلى مراحل متقدمة فلا مجال لأن نضيع مزيداً من الوقت ومن المؤلم ألا نستفيد من أخطائنا وأن نقبل على أنفسنا أن تنقل الأجيال من بعدنا سلبياتنا فعلينا واجب كبير وهو أن نغير مجرى حياتنا من خلال نشر ثقافة الإتقان وأن نزرع في نفوس أبنائنا والجيل القادم بصفة عامة معنى الإتقان وأن نجعله منهجاً لنا من خلال قدراتنا وإمكانياتنا ومواهبنا، مستفيدين من كل التجارب والخبرات الأخرى من حولنا.
إن تأسيس المبادرات والمشاريع الجديدة على ثقافة الإتقان أسهل وأيسر من أن تنطلق وهي ضعيفة تحت مبدأ (مشي حالك) ثم نعمل على تحسينها وتطويرها لتكون متقنة منذ التأسيس فمن شب على شيء شاب عليه والبدايات الضعيفة تبقى في معظم الأحيان ضعيفة مهما حاول القائمون عليها تحسينها وتطويرها، خصوصاً إن مضى عليها عشرات السنين في ظل هذه الثقافة العظيمة.
إن عصرنا الحالي هو عصر القوة والتحدي ولا مكان للضعفاء فيه ولن تكون هناك قوة دون إتقان فالإتقان والجودة من أهم عوامل نجاح الأعمال ومن أبرز ما ينبغي أن نهتم به وأن ننشره فيمن حولنا من أفراد المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي