حجج الاستحكام تقتل التنمية
الإصرار على الاستمرار في النظام التقليدي لتملك الأراضي وإعطاء الفرصة لكل من يدّعي تملك أرض في الغالب أن يعمل على استخراج حجة استحكام "ولمن لا يعرف حجة الاستحكام" فإنها تعني أن يتقدم شخص معتد على أرض بغض النظر عن مساحتها ويعمل بها بعض المنشآت البسيطة ثم يذهب إلى المحكمة ويدَّعي تملكها ويأتي بشاهدين على أنه أحيا هذه الأرض وبعد مداولات ومكاتبات تعتمد على ناظر الحجة يصدر له ما يسمى بحجة استحكام وتعني وثيقة تملك للأرض بغض النظر عن الاستعمال المعتمد للموقع أو تأثيره على تنمية المدينة أو القرية التي تقع فيها الأرض.
لقد صدرت وتصدر العديد من الأوامر السامية والقرارات الوزارية التي تؤكد على منع الأخذ بمفهوم إحياء الأرض خصوصاً وقد وضع لها وقت زمني أصبح يرفض معه الادعاء بإحياء الأرض وذلك منذ عام 1387هـ وذلك لإعطاء المواطنين الذين لا يملكون ما يثبت تملكهم لأراضيهم الفرصة لاستظهار ذلك التملك وعام 1387هـ مضى عليه اليوم أكثر من أربعين عاماً وحتى هذا الوقت نرى من عمره أقل من أربعين عاماً ويدَّعي أنه أحيا الأرض قبل ذلك الوقت ولهذا فإنه يستحق أن يُملك الأرض.
حقيقة أن هناك بعض المناطق التي تحتاج إلى دراسة متأنية لموضوع الملكيات خصوصاً المناطق الجبلية التي تعود أهلها على أن تكون أمام مساكنهم مراع لهم ومناطق مفتوحة أمامهم، ويفاجأون عندما يتم تخطيط الأراضي المجاورة لهم لمنحها لآخرين مما يضطرهم إلى منع ذلك الاعتداء على الأراضي بادعاء التملك، ومع أن الأمر لا يمكن قبوله إلا أن دراسة حالاتهم والحالات المشابهة خصوصاً في القرى سوف يساعد على معالجة المشكلة مع ملاحظة أن يتم الاهتمام بمن لا يملك أرضا أو مسكنا له أو لأحد من أبنائه أن يُمكن من ذلك بالطرق النظامية مع التأكيد على أن الأرض مهما كان موقعها ملك للحكومة وأن الحكومة وحدها هي المعنية بالتخصيص وتحديد الاستعمال ووضع المشاريع الملائمة لها.
إن استمرار العمل وفقاً للمدرسة الحالية في تملك الأراضي سوف يفقد التنمية فرصتها في التواجد في أي حيز جغرافي على كامل رقعة المملكة، كما أن الاعتداء على الأراضي وادعاء تملكها واستخدام مختلف الوسائل لمنع إزالة الاعتداءات ومنها استغلال الثغرات النظامية فيما صدر من أنظمة تنظم ذلك ومنها استخدام النساء والأطفال ووضعهم في غرف يتم إنشاؤها لغرض التملك مما يُصعب على الجهات المعنية بالإزالة تحريكهم أو إرسال البرقيات لولاة الأمر وجميع المسؤولين حتى يتم إيقاف الإزالة التي كان يجب منعها أصلاً من الوجود، إضافة إلى ضعف وقلة لجان التعديات وما يخصص لها من قوة تمنع منعها من تنفيذ الأوامر، كما لا تخلو بعض تلك اللجان من تواطئ مع المحدث سواء بتأجيل الإزالة أو إبلاغه عن موعدها حتى تتخذ التدابير اللازمة لمنع اللجنة من القيام بمهامها، إلى آخر القائمة التي نعلمها ويعلمها بعض أعضاء تلك اللجان والمسؤولين عنها.
مهما كانت المبررات والظروف والإمكانات إلا أن استمرار الوضع الراهن في أسلوب إدارة الأرض وحمايتها والحفاظ عليها وتسخيرها لأغراض التنمية وهو يعوق التنمية ويقتل كل الفرص المتاحة اليوم من تنفيذ المشاريع ويضيع على العديد من المدن والقرى والمناطق فرصة الاستفادة من الوفرة المالية الحالية التي تعيشها المملكة، والشواهد في هذا المجال كثيرة, منها:
أولاً: طرق تم رصدها واعتماد ملايين الريالات لها ويأتي من يأتي من المواطنين ويقف في سبيل تنفيذ ذلك الطريق الشرياني الذي يربط المدن والقرى ببعضها البعض بدعوى أنه يملك تلك الأرض ويهدف من ذلك المنع إلى الحصول على تعويض من الجهة الحكومية المنفذة للطريق أو على أقل تقدير مبلغ من المقاول المنفذ لذلك الطريق، لأنه يعلم ذلك المواطن المعتدي أن المقاول بين مسندة الـتأخير في تنفيذ الطريق وغرامة التأخير وبين مطرقة الوقت في الانتقال لمشروع آخر.
ثانياً: العديد من الجهات الحكومية التي تقوم على تنفيذ بعض المشاريع الخدمية أو الحيوية تُفاجأ بقيام بعض الأفراد بالاعتداء على الأراضي المخصصة لها مما يؤدي إلى دخولها في مشاكل إدارية وإجرائية تؤدي إلى تأخر تنفيذ تلك المشاريع.
ثالثاً: هناك العديد من المشاريع الحيوية المهمة التي يعتمد بعد الله سبحانه وتعالى عليها في بناء إنسان هذا الوطن وتدريبه ويُعتمد لها المبالغ اللازمة ثم تقف الأرض وتوفرها عقبة في وجه تنفيذها, ولعل المعاناة القاسية للمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني خير دليل على ذلك بينما نرى العشرات من حجج الاستحكام التي تصدر يومياً وبعضها بملايين الأمتار دون أن تحرك ساكناً بيننا.
إن رحلة المعاناة مع إدارة الأرض وحمايتها وتسخيرها لأغراض التنمية وإشغال مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة من أعلى سلطة في الدولة إلى أصغر جهاز تتطلب وقفة إدارية تنموية حازمة جازمة لمعالجتها والخروج برؤية إدارية لا تقبل القسمة على اثنين، هذه الرؤية التي تضمن لنا تنمية متوازنة آمنة من عبث أصحاب المصالح الخاصة والضمائر المريضة الذين أمرضونا معهم سواء بالعمل الشاق أو بالفساد الإداري من خلال الرشوة المباشرة أو غير المباشرة من ضغوط اجتماعية واتهامات من مختلف الاتجاهات والأوزان.
إن فكرة إيجاد جهاز واحد يرتبط به كل ما يتعلق بالأرض من إدارة وحماية وتصرف وتنسيق وتوثيق سوف يحقق لنا بإذن الله سبحانه وتعالى رحلة تنموية هادئة ومتزامنة مع الأرض وسوف يقلل ما يزيد على 70 في المائة من حجم العمل على مختلف الأجهزة المعنية وسوف يزيد الإنتاجية في العمل الحكومي في تلك الأجهزة بما يوازي تلك النسبة أو أكثر، وأهم من هذا وذاك سوف يساعد على نظافة ذمم العديد من العاملين في مجالها والمتعاملين معها ولعل قناعاتنا أن الأرض تمثل مصدرا ناضبا مقارنة بالأموال، فالأموال يعاد ضخها في الميزانية كل عام، وما نفقده اليوم من مال يعوض في العام الذي يليه وربما أكثر، أما الأرض فما نفقده منها لا يمكن تعويضه لأن مساحة المملكة ثابتة غــــير متجددة وميزانيتها متغيرة متجددة، فإذا كنا قد وضعنا للمالية وزارة ألا تستحق الأرض وزارة، مجرد سؤال!!!، أم نقترح للمؤسسات الحكومية التي تحتاج إلى أراض لمشاريع معتمدة أن تعمل وفقاً لنظرية الاعتداء على الأرض والتقدم بطلب حجة استحكام مثلهم مثل حرامية الأراضي.
وقفة تأمل:
"والنفس تعلم أني لا أصدقها
ولست أرشـــــد إلا حين أعصيها
والعين تعلم من عيني محدثها
إن كان من حزبها أو من أعاديها
عيناك قد دلتا عيني منك على
أشياء لولاهما ما كانت تبديها".