الموظف "الروبوت" .. "أرامكو" أنموذجا
كتبت عن ثقافة المنشأة في وقت سابق وقلت إنها ذات تأثير كبير في إنتاجية العاملين والتزامهم وتطويرهم, وربما تمتد إلى قناعاتهم وثقافتهم الحياتية أيضا, وهذا يتضح بشكل جلي عند مقارنة موظفي الحكومة بأقرانهم في القطاع الخاص, وكذلك بين موظفي منشآت القطاع الخاص نفسها, كما تطرقت أيضا لساعات العمل في القطاع الخاص في مقال آخر وقلت إن معظمها يستفيد من الحد الأعلى الذي نص عليه نظام العمل البالغ 48 ساعة, في حين أن كثيرا من دول العالم يعمل موظفوها ساعات أقل مثل دول أوروبا والولايات المتحدة وحتى اليابان حيث تصل ساعات العمل الأسبوعية إلى 35 ساعة, إضافة إلى أنهم يتمتعون بأيام إجازة أكثر من تلك التي يتمتع بها أقرانهم في شركات القطاع الخاص السعودية, وقلت كذلك إن هذا الواقع لا يساعد على السعودة وفيه استغلال للعاملين, وأضيف هنا أنه يحول الموظف إلى آلة ولا يراعي بشرية الموظف وحاجاته الإنسانية ومتطلباته الاجتماعية, لذا غالبا ما نرى موظفي القطاع الخاص منعزلين عن محيطهم الاجتماعي مسخرين كامل وقتهم لعملهم فقط, وهو أمر سلبي وله تبعات غير جيدة على المدى الطويل.
ورغم أن بعض الشركات الكبرى مثل: "سابك", "الاتصالات", و"أرامكو" خفضت ساعات العمل الأسبوعية فيها إلى 40 ساعة إلا أنها ربطت ولو بشكل غير رسمي بين الأداء والبقاء ساعات إضافية بعد انتهاء العمل الرسمي, وكأن ذلك جواز مرور للترقية وإثبات الذات, في حين كان حريا بها أن تمنع وبشكل جدي وقاطع بقاء الموظفين ساعات إضافية إلا في حالات الضرورة القصوى التي يتطلبها العمل وطبيعته, وهذه الضرورة لا تنطبق على الأعمال الادارية مهما كانت في اعتقادي.
وبهذا الخصوص سأتناول بيئة العمل من جانب دورها في تكوين شخصية الموظفين والتمييز بينهم في الأداء وإطلاق القدرات وتنمية الإبداع, وسأضرب مثالا على ذلك شركة وطنية عملاقة قطعت شوطا كبيرا في التنظيم الإداري وميكنة العمل, وأعني بها شركة أرامكو, فهي في ظني ابتعدت كثيرا في موضوع ميكنة العمل لدرجة أصبح الموظف فيها, وأعني بذلك من هم خارج نطاق العمل التنفيذي, "روبوتات" بشرية ينفذون تعليمات محددة لا تميز المبدعين منهم ولا تطلق طاقاتهم وقدراتهم الحقيقية, مع أنها تمنحهم مزايا ممتازة قل أن توجد في شركات أخرى مثل نظام الادخار وقروض السكن والمرافق المتطورة وأماكن الترفيه وبرامج التدريب المستمرة, إلا أنها مع ذلك لا تراعي الحاجات الإنسانية والاجتماعية لهم بكثرة التنقلات بين مواقع عمل الشركة.
وإضافة إلى ذلك فإن نظام الحوافز أو ما تطلق عليه الشركة برنامج إدارة الأداء لم يستطع أن يعدل بين الموظفين لسبب بسيط هو احتكار كبار الموظفين للتقييمات الأعلى في حين يأخذ صغار الموظفين تقييما أقل, وهذا ربما يتضح لو قامت الشركة بالبحث عمن حاز أعلى درجات التقييم في كل إدارة.
أعلم أن التقييم دائما يخضع لنوازع النفس البشرية, وأعلم كذلك أن الشركة لا تستطيع أن تمنح جميع الموظفين تقديرات عالية, إلا أن البحث عن ضوابط أخرى مهم لتنمية شعور الانتماء لدى الموظفين.
أخيرا لا ينبغي أن تكون التقنية الحديثة هدفا في حد ذاتها, كما لا ينبغي أن يشعر الموظف بأنه مجرد آلة تنفذ ما يأتيها عن طريق "الإيميل" فقط, بل ينبغي أن يكون له دور في تطوير العمل الموكل إليه وإطلاق طاقاته, فالميكنة تساوي بين أفراد فرق الله جل وعلا بين قدراتهم وطاقاتهم, وهذا هو الأمر الطبيعي.