لماذا لن تخوض الهند وباكستان حرباً بسبب المياه؟

المعاهدات والبروتوكولات الدولية تمكنت من احتواء مخاطر النزاعات المائية


يبدو المشهد كأنه افتتاحية لفيلم ديستوبيا عن الحرب العالمية الثالثة، ففي أعماق جبال الهيمالايا، يُغلق مهندسون بوابات سد غير معروف على نطاق واسع في صمت تام. ومثلما حدث في اغتيال الأرشيدوق النمساوي، فإن تداعيات هذا الحدث الغامض قد تتطور إلى صراع نووي يجرف معه معظم دول العالم.

ورغم أن هذا السيناريو يبدو احتمالاً بعيداً حالياً، فإنه يظل قائماً بالفعل. فقد أوقفت الهند، بدءاً من الأحد الماضي، تدفق المياه عبر الحدود بشكل شبه كامل من خلال نهر تشيناب، أحد روافد نهر السند، بحسب ما أعلنته الحكومة الباكستانية. وكانت نيودلهي قد انسحبت في وقت سابق من معاهدة 1960 التي تنظم تقاسم مياه نهر السند، التي استمر العمل بها على مدى عقود من التوترات والحروب الفعلية بين البلدين.


هجوم كشمير يشعل التوترات


هذا التصعيد يُعد امتداداً للتوترات المتفاقمة عقب مقتل 26 سائحاً في هجوم إرهابي وقع في كشمير الخاضعة لسيطرة الهند. ومنذ ذلك الحين، شنت نيودلهي ضربات عسكرية داخل باكستان، التي أعلنت يوم الأربعاء أنها أسقطت 5 مقاتلات هندية رداً على تلك العمليات.

في أسوأ السيناريوهات المتوقعة ضمن خطط المحاكاة العسكرية، قد يُعد قطع إمدادات المياه عن باكستان ذريعة مباشرة للحرب، لما له من تأثير كارثي على محاصيل القطن والأرز، التي تمثل مجتمعة نحو 60% من صادرات البلاد، إضافة إلى تهديد السدود التي تزود البلاد بما يقارب ثلث إنتاجها من الكهرباء. وتُنذر العلاقات بين باكستان والصين، إلى جانب التقارب المتزايد بين الهند والولايات المتحدة، بتصاعد هذه التوترات إلى حرب عالمية.


"حروب المياه" بين الواقع والأسطورة


هذه هي النظرية، على الأقل. لكن في الواقع، نادراً ما تتحقق فرضية "حروب المياه"، التي تفترض أن الدول، على كوكب يزداد احتراراً وتقلباً في تدفقات الأنهار، ستدخل حتماً في صراعات على إمدادات المياه العذبة المتناقصة.

ربما كانت أول معركة مسجلة في التاريخ بسبب المياه. ففي نحو 2500 قبل الميلاد، اندلع نزاع بين مدينتي لغش وأوما السومريتين بسبب مساحة من الأراضي الزراعية المروية، وقد خُلدت هذه الواقعة في نحت بارز مكسور معروض في متحف اللوفر. وكانت هذه أيضاً المرة الأخيرة في تاريخ البشرية التي تحولت فيها التهديدات المتكررة بشن حروب مائية إلى صراع فعلي بين دول، بحسب آرون وولف، أستاذ المياه والنزاعات في جامعة ولاية أوريجون.


المعاهدات الدولية تكبح الصراعات


قال وولف: "على الساحة الدولية، لا يكاد يكون هناك عنف فعلي بسبب المياه. ما يحدث غالباً هو كثير من الغضب والتكهنات، لكن هذا الاهتمام بحد ذاته يدفع الأمور نحو مسار يتيح توفير بيئة مناسبة للحوار والتفاوض، ثم التوصل إلى معاهدة تدوم إلى الأبد".

تُظهر قاعدة بيانات تحتفظ بها جامعة ولاية أوريجون، وتوثق أكثر من 7000 حادثة دولية متعلقة بالمياه بين عامي 1948 و2008، أن أعمال العنف الفعلية اندلعت في 38 حالة فقط. جميع هذه الحالات، باستثناء 10 فقط، كانت مرتبطة بإسرائيل، ومعظمها جاء خلال الخمسينيات والستينيات. وكان ثلثا التفاعلات الدولية بشأن المياه تعاونية، ولم تصل حتى إلى مستوى النقد اللفظي البسيط. وهذا ينطبق حتى على الدول المعروفة بعداواتها المزمنة، مثل الهند وباكستان، وتركيا وأرمينيا، وإسرائيل ودول الجوار العربي.

ولا ينبغي أن يثير ذلك دهشتنا. فالتوترات المتعلقة بتدفقات الأنهار مقلقة بالتحديد لأن المياه يمكن أن تتحول إلى سلاح دمار شامل. إذ إن المجاعات أودت بحياة أعداد تفوق بكثير ما تسببت فيه السيوف والرصاص خلال الحروب. ومع ذلك، ومثلما نجح العالم في تقييد استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية، فقد تمكنت المعاهدات والبروتوكولات الدولية الروتينية من احتواء مخاطر النزاعات المائية أيضاً.


تهديدات صعبة التطبيق عملياً


كما هو الحال مع أسلحة الدمار الشامل الأخرى، فإن التلويح باستخدام المياه كسلاح يبقى أسهل بكثير من تنفيذه فعلياً. فرغم التهديدات الاستفزازية التي أطلقها وزير المياه الهندي، متوعداً بعدم السماح بمرور "ولا قطرة واحدة" من نهر السند إلى باكستان، فإن قدرة الإنسان على إيقاف مئات الكيلومترات المكعبة من المياه المتدفقة سنوياً عبر الأنهار الكبرى تبقى محدودة جداً.

فعلى سبيل المثال، لا تستطيع السدود الكهرومائية احتجاز المياه لفترات طويلة دون أن تهدد سلامتها الهيكلية. وحتى تنفذ الهند تهديد "ولا قطرة واحدة"، سيكون عليها إما تحويل مجاري الأنهار إلى قنوات غير قائمة أساساً، أو استخدام تلك المياه في ري مساحات زراعية شاسعة. وكلا الخيارين يحتاج إلى أعوام طويلة ومليارات الدولارات.

وتبقى زراعة المحاصيل هي الوسيلة الوحيدة تقريباً، على نطاق واسع، لامتصاص مياه الأنهار ومنعها من الوصول إلى البحر في النهاية. ولهذا السبب، يُفرض تنظيم صارم على الري في الهند بموجب "معاهدة مياه السند"، وهي حقيقة لطالما أسهمت في تغذية ضغوط محلية متكررة تدفع باتجاه انسحاب نيودلهي من الاتفاقية.


تغير المناخ يختبر المعاهدات


ربما يكون هذا هو السياق الأنسب لفهم النزاع الأخير. فتغير المناخ يفرض تحديات جديدة على مئات المعاهدات والاتفاقيات التي تنظم استخدامنا للمياه، لكنه لا يبدو كفيلاً باختراقها. ففكرة الدمار المتبادل المؤكد التي قد تنجم عن حروب المياه كانت كافية لردع اندلاعها على مدى 4500 عام.

ومن المرجح أن تسير جولة التصعيد الحالية على النهج نفسه، أي تهديدات لفظية لا تنتهي بقنابل وسفك دماء، بل بنقاشات بين محامين يراجعون بنود معاهدة مضى عليها 65 عاماً داخل قاعة محكمة هادئة في لاهاي.

فالحرب، كما وصفها أحد أبرز منظريها ذات يوم، ليست سوى امتداد للسياسة بوسائل أخرى. وهذا يتجلى بوضوح عندما يتعلق الأمر بالتهديدات بشن الحرب.


خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي