زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية .. السياق والتوقعات

في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي حدث تطور مهم غير وجه المنطقة والعالم وخلق علاقة إستراتيجية جديدة أرسى معها أسس اقتصادية لعلاقة تنامت وازدادت قوة ومتانة رغم تيارات السياسة العاتية ورياح الأحداث العاصفة التي مرت بها العلاقة الوليدة واضطرت معها إلى السير في مسارات معقدة من التحالفات الإقليمية والدولية.

فبعد أن ضاق الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة بوعود البريطانيين ومماطلتهم في اكتشاف النفط في منتصف العشرينيات عَقد اتفاقية امتياز لاكتشاف النفط مع الشركة الأمريكية سوكال التي أصبحت لاحقاً أرامكو السعودية، نتج عنها تدفق النفط بعد سبعة محاولات مضنية لحفر آبار تجارية ليأذن بعهد جديد من العلاقات السعودية الأمريكية، منذ ذلك الحين وعلى مدار 9 عقود مضت كانت هذه العلاقات تزداد قوة مع الأزمات وتتضح أهميتها الاقتصادية وقت الصعاب.

كان النفط في قلب هذه العلاقة وأدت السعودية دورا رئيسيا في إمداد الولايات المتحدة بالنفط الذي أبحر من موانئها ليغذي الاقتصاد الأمريكي المتعطش للنفط آنذاك وعلى مدى عقود كانت السعودية الأكثر موثوقية في وصول الإمدادت لأمريكا والعالم، ورغم أن هذه العلاقة تعرضت لهزة عنيفة كان النفط أيضاً في صلب أحداثها عندما قررت الدول العربية حظر النفط عن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على خلفية حرب أكتوبر 1973، إلا أن هذه العلاقة ما لبثت أن تجاوزتها لتتحول إلى شراكات إستراتيجية طويلة المدى أدت فيها السعودية دوراً بارزاً في استقرار السوق النفطية وتوازنها وقادت سفينة أوبك لضمان إمدادات آمنة من النفط للأسواق العالمية لتشكل فيما بعد تحالف أوبك بلس وليقوم بمهام أكبر وأوسع لضمان استقرار الأسواق وتوازنها.

واليوم تأتي زيارة الرئيس ترمب إلى السعودية المقرر لها هذا الأسبوع حاملة في طياتها هذا التاريخ الطويل من الشراكة الممتدة على مدى عقود، كما تأتي بعد فترة فتَرت فيها العلاقات السعودية الأمريكية في ظل سلفه بايدن الذي واجه رفضاً صريحاً من الحكومة السعودية ومن تحالف أوبك بلس في غير مرة لزيادة إنتاج النفط في ظل الضغوط التي كان يتعرض لها الرئيس الأمريكي آنذاك والصعوبات التي كان يواجهها الاقتصاد الأمريكي بسبب ارتفاع أسعار النفط قبل أن يدرك الرئيس الأمريكي بايدن أي أهمية لهذه العلاقات لكلا البلدين وللاقتصاد العالمي ويقرر زيارة السعودية في 2022.

هذه الزيارة لترمب تأتي في وقت يشهد فيه العالم فترة اقتصادية استثنائية وتقلبات حادة وضبابية كبيرة نتيجة رفع التعريفات الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية على عديد من الدول، وعلى حلفائها ومنافسيها على حد سواء، هذه الحرب التجارية التي يبدو أننا في فترة انتظار نتائج تراجع وتيرتها بعد المباحثات التي انخرطت فيها الإدارة الأمريكية مع دول مثل الصين وبريطانيا التي توصلت مع الولايات المتحدة لاتفاق بشأن الرسوم الجمركية ما أعطى إشارات إلى تخفيف حدة الحرب التجارية التي شنتها الإدارة الأمريكية على عديد من دول العالم.

كما أنها تحمل أهمية كبيرة بالنسبة للملفات الاقتصادية التي سيتم البحث فيها والاتفاقيات التجارية وحجم الاستثمارات التي سيتم الاتفاق عليها، حيث تأتي في وقت تغيير حقيقي تمر به كلا الدولتين، فالسعودية التي تسعى إلى تنويع اقتصادها وتعيش أجواء ثورة على المفاهيم الاقتصادية التقليدية التي شكلت اقتصادها لعقود حيث قررت الابتعاد عن النفط وسجلت أرقاماً قياسية لحجم العائدات غير النفطية تجاوزت 50% وفتحت أسواق جديدة في قطاعات سياحية وصناعية واستثمارية لتخلق قنوات اقتصادية وعائدات تدعم تنوعها الاقتصادي أظهرت أيضاً طموحاً كبيراً في مجالات حيوية كالذكاء الاصطناعي والطاقة النووية وأنظمة الدفاع والاتصالات وتقنية المعلومات وهي ما يجعل الولايات المتحدة شريكاً اقتصادياً يلبي تطلعاتها ويحقق أهداف مشتركة معها حيث تسعى الولايات المتحدة جاهدة إلى جذب الاستثمارات إلى الداخل الأمريكي.

وقد يسأل أحدهم ماذا عن النفط؟ وهل سيكون في صلب المحادثات وهل سيطلب ترمب من السعوديين زيادة الإنتاج كما يصرح دوماً؟ الحقيقة أن أوبك بلس زادات من إنتاجها الشهر الحالي مسبقاً وقررت زيادة إنتاجها من النفط الشهر المقبل بمعدل 411 ألف برميل وهو ما استندت فيه على تقاريرها الفنية وعلى تحفيز دخول الزيادات غير المقررة والخارجة عن الحصص المتفق عليها إلى داخل إطار الاتفاق لتضمن نسب أعلى للالتزام داخل منظمومة أوبك بلس. فقرار أوبك بلس بعودة التخفيضات الطوعية تدريجياً التي تبلغ 2.2 مليون برميل يومياً أصبح حيز التنفيذ وقد لا يبدو من مصلحة أي من الطرفين السعودية ولا الولايات المتحدة أو مجموعة أوبك بلس الذهاب أبعد من ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي