إدارة الالتزام وتوفير 222 مليار دولار
يشير موقع سفير أن ضعف إدارات الالتزام في عدد من الشركات الأمريكية أدى لخسائر متراكمة في الاقتصاد الأمريكي بلغت في الفترة ما بين عامي 2020 و2025 إلى 222 مليار دولار. من هنا يتم دق ناقوس الخطر، فالهدر الكبير في البلد الأكثر تطوراً على مستوى العالم يجعلنا نفكر بجدية في حجمه لدينا.
تحاول عديد من الشركات الالتفاف على الأنظمة ولا تستمع لنصائح مدير الالتزام ظناً منها أن ذلك سيوفر لها أرباحاً مهولة، وهي لا تعلم أن ما تأخذه باليمين ستدفعه بالشمال، سواء على المدى القصير أو الطويل. مدير الالتزام هو صمام الأمان في قياس الجودة والاستمرارية والنضج، وهو أحد أهم المستشرفين الإستراتيجيين لما تصبوا له المنظمة من أرباح أو توسع وانتشار.
قد يفهم البعض الالتزام بشكل خاط ويجعلونه عدواً لهم حينما تطلب إدارة الالتزام الكشف عن أعمال الإدارات، فيظنون أن إدارة الالتزام إدارة تراقب لتعاقب، ولا يستوعبون حقيقة الأمر بأن إدارة الالتزام تراقب لتساعد، فإن من أهم أولويات مدير الالتزام هو الجلوس مع الإدارات لبيان مكامن الخلل والمساعدة باقتراح أفضل الطرق الممكنة لمعالجتها.
فإدارة الالتزام كالطبيب الذي يكشف لك المرض لتعالجه لا يكشفه ليعاقبك به، بل وأكثر من ذلك فهو الحامي الرحوم الذي يدلك على أفضل طرق العلاج وأنجعها بالنسبة للمنظمة مراعياً كافة الظروف المحيطة بالمنظمة الداخلية والخارجية، سواءً القانونية أوالمالية أوالإدارية.
لقد كانت النظرة التجارية القديمة تقتصر على من يجلب المال للمنظمة بشكل مباشر، فكانت الإدارات المباشرة كالمبيعات لها نصيب الأسد من كعكة الحوافز والقرب من الإدارة الرئيسية ومن صنع القرار، إلا أن المنظور التجاري الحديث قد تغير بشكل كبير جداً، فكما أن للإدارات المباشرة دور كبير في جلب الأرباح فإن الإدارات غير المباشرة كإدارة الالتزام ومثيلاتها لها ذات الأهمية، والدليل هو ما بدأنا به مقالنا هذا.
فلو زادت قوة الالتزام لدى الشركات الأمريكية لاستطاعت توفير ما يزيد على 222 مليار، بل ستقفز الأرباح بشكل ملحوظ بأكبر مما هي عليه، حيث إن العلم الحديث وأعني علم (الاستشراف الإستراتيجي) تؤدي فيه الإدارات غير المباشرة كالالتزام ومثيلاتها الدور الرئيسي، وذلك كونها تراقب الأحداث من بعد فتستطيع أن ترى الصورة بشكل أشمل وأوضح لتقتنص المنظمة الفرصة الإستراتيجية قبل غيرها ويكون لها قصب السبق في مجالها وتتعدى منافسيها.
من هنا نصل إلى أهمية الإدارات غير المباشرة كالالتزام والحوكمة والمخاطر والجودة والإستراتيجيات وغيرها وأهميتها القصوى في استمرار المنظومات ورقيها، ومنافستها محلياً وعالمياً، كما أني أرجو أن يستوعب من يعمل في الالتزام إلى الفرق الرئيسي بينه وبين من يعمل في المراجعة الداخلية.
فمدير الالتزام هو الدرع الحصين والملاذ الآمن للإدارات الذي يبين الخلل للإصلاح قبل اكتشافه داخلياً أو خارجياً، مراعياً الممكنات المتاحة وبما لا يخالف النظام، ويسعى مع بقية الإدارات ذات الصلة للتفكير الإبداعي خارج الصندوق كي يتحقق تنبؤهم بالاستشراف الإستراتيجي وتصل المنظمة لأعلى الأهداف بأيسر الطرق وأسرعها وبخطوات تسبق كافة المنافسين.