إصلاح الأسهم يبدأ من "بيشة".. وننتظر المزيد من هيئة سوق المال

www.alfowzan.com

قرار وقف تداول سهمي "بيشة" و"أنعام", لم يكن متأخرا ولا قرارا سريعا, بل متأخرا كثيرا, ليس للقوائم المالية والخسائر الكبيرة التي لحقت بالشركتين بل لأن سهميهما كانا محل السيطرة والجاذبية للمضاربات في السوق السعودية, حتى أصبح السهمان هما الأبرز في أحجام وقيم التداول, رغم أن الشركتين فقدتا أكثر من 90 في المائة من رأسماليهما.
ولعلي هنا أركز على سهم "بيشة" والتصريحات الأخيرة التي أطلقها رئيس مجلس إدارة الشركة, فقد شاهدت مقابلته على قناة cnbc عربية, الأسبوع الماضي, وبعد أن علق أحد ضيوف القناة حول إلغاء الجمعية العمومية الطارئة للشركة لانتفاء الحاجة لأن الشركة أظهرت في قوائمها المالية خسائر تقارب 15 في المائة فقط وليس 96 في المائة كما بينت قوائمها المالية سابقا, فقد ذكر ضيف القناة وهو أحد المحاسبين أن الإلغاء والربح المحقق هما "نكتة", وحين سمع رئيس مجلس إدارة "بيشة" ذلك, انسحب من المقابلة بطريقة غير مقبولة حقيقة وكأنه يرفض من يناقشه أو يجادل على ميزانية الشركة التي تخص عددا كبيرا من المساهمين. وكان لرئيس مجلس إدارة بيشة أيضا مقابلتان في صحيفة "الشرق الأوسط" في 15 آذار (مارس) الماضي وذكر ما نصه "إن الخلاف مع الهيئة قانوني وليس محاسبيا", وأضاف " نحن نريد أن نصل إلى تفسير أيضا (يقصد المواد التي استندت إليها الهيئة ), ويضيف رئيس مجلس إدارة بيشة "بالمختصر لما كان سهم بيشة في السوق كان السوق صاعدا وكانت "بيشة" تقود السوق, والآن تراجع السوق جاء من إيقاف الشركة ", انتهى النص.
هكذا بكل صراحة يقولها رئيس مجلس إدارة "بيشة", إن تراجع السوق سببه "بيشة" لأنها أوقفت, أصبحت "بيشة" الآن "سابك" أو "الراجحي" أو "الاتصالات" أو جميعها, بقدرة قادر رئيس مجلس إدارة "بيشة" يضع سهم الشركة المفلسة وفقا للأرقام أنها سبب تدهور سوق الأسهم, وأنها قائدة, وكأنه يقول السوق لن يتحسن أو يحقق إيجابية إلا بفك إيقاف "بيشة".
يبدو لي الآن فهم سر فشل هذه الشركات وخسائرها رغم مرور أكثر من عقدين من الزمن عليها, نفهم لماذا تخسر هذه الشركات الصغيرة التي أصبحت مصدر المضاربات وسمعة السوق السيئة, وضرر كبير للسوق والمتعاملين فيها, وقد سمعت مرة رئيس مجلس إدارة "بيشة" في قناة "العربية", يقول إن السوق هبط ولكن سعر سهم "بيشة" متماسك, وقد نسي أن السهم موقوف حقيقة, حين يكون رئيس مجلس إدارة الشركة غير مقتنع بحجم المشكلة للشركة ولا تعثرها, وغير مقتنع بالمعايير المحاسبية السعودية المطبقة, ويريد نظاما خاصا بالشركة, وأنها مظلومة وأنها لا تستحق الإيقاف أو حتى الشطب إن ثبت كل شيء ولم يكن هناك مخرج, إذا كيف يمكن إصلاح حال الشركة؟ وكيف تستقيم السوق السعودية؟
أقدر حجم كارثة الإيقاف على الشركة وكل مالك للسهم, وهم يدركون تمام الإدراك أن سعر السهم لا يستحق قيمته الاسمية طبقا لقوائمها المالية, لكنه البحث عن عودة لكي نعود للمضاربات الخيالية, أن نعود لسعر أربعة آلاف وثلاثة آلاف ريال سهم "بيشة" أو 200 و300 ريال الآن بعد التجزئة, أي منطق وعقل يقبل بهذا؟ هل يبرر ذلك أن أسهم الشركة قليلة فقط أن تصبح بهذا السعر؟ وهي على أرض الواقع لا تحقق مبيعات تتجاوز مليون ريال ولا أرباحا تتجاوز 100 ألف ريال وقيمة سوقية بالمليارات, إذا هي مسألة استغلال وضع شركة مفلسة عدد أسهمها قليل والمضاربة على هذا الأساس.
هنا يجب أن أقف احتراما وتقديرا لقرار هيئة سوق المال ورئيسها الدكتور عبد الرحمن التويجري, الذي نأمل منه الكثير لإصلاح حال السوق, وما حدث في "بيشة" و"أنعام", يجب أن يكون هو أول خطوة لإصلاح السوق, وأن يفهم الجميع أن البقاء للأصلح, بشفافية كاملة ووضوح لا لبس فيه, وأن تطبق المعايير المحاسبية المعتمدة, لا ما تبحث عنه الشركة أو يناسبها وتفصلها تفصيلا, على هيئة سوق المال أن تكمل الطريق, وتقف بحزم وقوة, وهو أقل ما يطلب منها, لأن السوق لدينا, بمنطق المعكوس والمقلوب, حين يقول رئيس مجلس إدارة بيشة إنها "تقود السوق" إذا ما يعني وجود أسهم "سامبا" و"الراجحي" وبقية البنوك و"سابك" و"صافولا" والأسمنتات, إذا هي لا شيء, لأن سهم الشركة المفلسة هو من "يقود السوق " لم نصل لهذا المستوى من التصريحات لو كان هناك وقفة من البداية من سهم "بيشة" أو غيره من أسهم الخاسرة التي تتضاعف أسعارها فقط لسبب واحد المضاربة. أشيد بدور الهيئة التي تعيد الثقة شيئا فشيئا للسوق وهذه خطوة واحدة, ومطلوب منها جملة خطوات لوقف أسهم المضاربات التي تفخخ سعريا بدرجة أن تعصف بأموال المتداولين وما بقي منها إن كان لها بقية, ومطلوب حماية اقتصادنا الوطني من توجه الأموال لهذه النوعية من الأسهم لكي تتضاعف وتتضاعف أسعارها ثم تقذف في القمة بأعلى الأسعار بمحافظ المتداولين غير المدركين أو من يبحثون عن ثراء سريع وثروة سريعة, لا نلغي المضاربة, وهناك شركات تخسر ولكن بأقل قدر أو على الأقل تتجه للربحية, ولكي نكون منصفين, لا توجد سوق كل شركاتها رابحة, ولكن المضاربة حتى في الخاسرة تكون بمنطق المقبول والمعقول حتى وإن ارتفعت أسعارها لكن لا تتضاعف بأسبوع وأسبوعين ثم تتراجع من حيث بدأت ثم رحلة جديدة وهكذا, هذا ما يجب أن يكون للهيئة وقفة واضحة منها. ولعل أبرز الحلول أو أولها هو تقسيم السوق, بوضع هذه الشركات الخاسرة وذات الحجم الصغير بسوق منفصل له أنظمته وقوانينه, أثق جدا بعمل هيئة سوق المال, وأثق أنهم يعملون لإصلاح السوق, وأثق أنها تبذل كل جهد ممكن, ولا أجامل ولا أبالغ هنا, ولكن يجب أن نقف مع دور الهيئة البناء الذي في النهاية نجد سوقا متكاملة قدر الإمكان, عادلة, متوازنة, يحكمها القانون والعدل, يعاقب من يتجاوز من شركة أو متداول, تطبق فيه أعلى المعايير الدولية في إدارة السوق والمعايير المالية والمحاسبية للشركة, لا نريد سوق "مسافرين" من يحقق أعلى ربح ليوم أو أسبوع ثم تجده انسحب من السوق, فتكون سوقا مضطربة لا تتعزز بها الثقة, ما حدث بسهم شركة بيشة, يجب أن يكون بداية الخطوة للإصلاح, وأثق أن رئيس هيئة السوق ومن معه يعملون على ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي